أزمة الورق تهدد دور النشر بالإغلاق.. ارتفاع جنوني في أسعار الكتب الدراسية.. وفجوة شاسعة بين الإنتاج والاستيراد
سجَّلت أسعار الورق فى الفترة الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا ألقى بأوزاره على سوق المطبوعات بشكل عام؛ فتسبب مثلًا فى رفع أثمان الكتب الدراسية الخارجية إلى أثمان غير مسبقة؛ فيما أصبحت العشرات من دور النشر مهددة بإغلاق أبوابها حتى إشعار آخر.
وكان سعر طن الورق تجاوز مؤخرًا حاجز الـ 35 ألف جنيه لوزن 48– 50 جرامًا، لتكون هى الزيادة الأعلى فى التاريخ، بحسب رئيس شعبة الورق بالاتحاد العام للغرف التجارية عمرو خضر الذي أرجع تلك الطفرات المتسارعة خلال فترات قياسية إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج تزامنًا مع غلاء الخامات المستوردة والمحلية.
ويبلغ حجم استهلاك السوق المصرية من الورق 500 ألف طن سنويًا، ويتم إنتاج قرابة 200 ألف طن محليًا عبر شركتى «قنا» و«إدفو» وعدة كيانات أخرى صغيرة، فيما يتم استيراد الكمية الباقية من الخارج.
ولا شك أن هذه الزيادات التى تمت خلال أوقات متقاربة تضرب بزنس الورق فى مقتل، حيث يتداخل الورق فى صناعة الكشاكيل والكراسات والكتب الخارجية، فضلًا عن دور النشر المختلفة التى لجأ بعضها إلى رفع أسعار إصداراتها، أو فسخ تعاقداتها لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، فيما لجأت دور أخرى إلى الحل الصعب وهو تجميد نشاطها فى ظل عجزها عن تدبير احتياجاتها، الأمر الذى يستدعى التوسع فى إقامة مصانع لإنتاج الورق؛ لسد الفجوة الواسعة بين الإنتاج والاستهلاك.
«فيتو» تلقى من خلال هذا الملف الضوء على هذه القضية التى تهم قطاعات كبيرة ومختلفة من عموم المصريين.
الطن بـ 34 ألف جنيه
أحمد جابر، رئيس غرفة صناعة الطباعة والتغليف السابق باتحاد الصناعات، يرى أن ارتفاع أسعار الكتب خلال الموسم الحالى يرجع إلى عدة متغيرات، والتى تتضمن تغيير المناهج التعليمية، والتى يتبعها بالطبع تغير محتوى الكتب ما يستلزم إعادة طباعة الكتب.
وأوضحأن إعادة الطباعة تعتبر ذات تكلفة أقل من الطباعة الجديدة، التى تتضمن حقوق المؤلف مقابل الكتاب الجديد، وأشار إلى أن ذلك ينعكس أيضًا على المؤلفات الخاصة، والتى أصبحت تكلف الناشر مبالغ كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الورق والأحبار وزيادة تكلفة جميع مستلزمات النشر.
وعن طبيعة ونوع الورق المستخدم فى الكتب أوضح جابر أنه يتم تصنيعها من ورق الطبع، والذى يتم إنتاجه محليا من خلال شركتى إدفو وقنا للورق، بينما يمكن أن يتم تصنيع أغلفة الكتب من بعض أنواع الورق المستورد، لافتا إلى أن سعر طن ورق الطبع الذى يتم استخدامه لتصنيع الكتب الخارجية يصل إلى 34 ألف طن جنيها للطن.
وقال «جابر»: أن هناك أنواعا مختلفة من الورق المستخدم داخل السوق المحلى، موضحا أن ورق الـa4 والذى يتم استخدامه كورق لماكينات التصوير والطباعة يصل سعره إلى حوالى 36 ألف جنيه للطن، مشيرا إلى أن هناك نوعين من ورق التغليف: ورق تغليف أبيض ويسمى «دوبلاكس» ويتراوح سعره إلى 26 ألف جنيه للطن، لافتا إلى أنه يتم إنتاج 50% من احتياجاتنا مقابل 50% يتم تدبيره من خلال الاستيراد، والنوع الثانى وهو “ورق تغليف بنى” ويتراوح سعره من من 11 إلى 13 ألف للطن، لافتا إلى أن سعره يتسم بالثبات منذ أشهر.
فجوة بين التصدير والاستيراد
وعلى جانب آخر، يوضح المهندس نديم إلياس رئيس غرفة صناعة الطباعة والتغليف والمجلس التصديرى للورق والطباعة والتغليف أن ارتفاع أسعار الكتب الخارجية يرجع إلى عدة عوامل تتحدد فى نقص الخامات اللازمة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الورق والأحبار، موضحا أن القطاعات الصناعية تعانى نتيجة نقص الخامات نتيجة عدم توافر الدولار للمنشآت الصناعية مما يمكنها من توفير مستلزمات الإنتاج والمواد الخام.
وقال إلياس إن مصر تمتلك مصنعين للورق فى أدفو وقنا بجوار مصانع السكر، بحجم إنتاج لا يتجاوز 120 ألف طن، لافتا إلى أن رفع الكفاءة الإنتاجية وتطوير تلك المصانع سوف يسهم فى رفع الطاقة الإنتاجية إلى 180 ألف طن.
وأشار إلياس إلى أن السوق يحتاج لإقامة مصنع جديد بجوار مصانع السكر فى نجح حمادى، وأوضح أن هناك دراسة متكاملة لإقامة مصنع بطاقة إنتاجية 200 ألف طن سنويا على جزء من أرض مصنع سكر نجع حمادى، ويشارك فى تمويله العديد من صناديق الاستثمار، وذلك نظرا لارتفاع تكلفة المصنع بما يتجاوز 100 مليون دولار، لافتا إلى أن إقامة هذا المصنع سيقلل كثيرا من حجم الواردات وتخفيف الضغط على العملة مما يسهم فى تخفيض تكاليف الكتاب المدرسى.
وقال مصطفى عبيد، نائب رئيس شعبة الورق والكرتون بغرفة الصناعات الكيماوية التابعة لاتحاد الصناعات، إن ارتفاع أسعار الكتب الخارجية هذا العام يرجع إلى عدد من المتغيرات، وهى ارتفاع أسعار الورق والأحبار، حيث تشهد أسعار الورق ارتفاعا واضحا نتيجة تداعيات أزمة سلاسل الإمداد وقبلها تداعيات كورونا، وأيضا ارتفاع سعر الدولار.
وأوضح أنه يتم استيراد نحو 20% من ورق الكرتون، بينما يتم إنتاج 80% بالسوق المحلية، لافتا إلى أن مصر تستورد 40% من ورق الكتابة المخصص لطباعة الكراسات والكشاكيل مقابل 80% إنتاج محلى بجانب استيراد ورق الصحف بنسبة 100% من الخارج.
وأوضح أن حجم استثمارات قطاعى صناعة الورق والطباعة فى مصر 70 مليار جنيه، لافتا إلى أن قطاع الطباعة والتغليف يعد حلقة وصل بين مراكز الإنتاج والاستهلاك.
أزمة دور النشر
تقول الناشرة كرم يوسف صاحبة إحدى دور النشر أن أزمة عدم توافر الورق بصورة كبيرة تؤثر على حجم الإصدارات الجديدة للدار قبيل انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب، حيث تشهد دور النشر عادة فى تلك الفترة طباعة العديد من إصداراتها للاستعداد للمشاركة فى المعرض الأكبر خلال العام.
وأضافت كرم يوسف أنها لا تطبع حاليا أيه إصدارات بسبب عدم القدرة على استيراد الكم المطلوب من الورق الجيد الذى تستخدمه الدار فى إصداراتها، موضحة أنهم لا يعتمدون على الورق المصنع محليا لأن جودته لا تكون على نفس قدر الورق المستورد المميز، والتى تحرص الدار على استخدامه دائمًا.
وعن الحلول التى من الممكن أن تتبعها الدار فى حالة استمرار أزمة توفر الورق تؤكد كرم يوسف أنه من الممكن اللجوء لطرح الإصدارات الجديدة إلكترونيا بشكل مؤقت حتى تشهد الأزمة انفراجا، قائلة: «ممكن يكون الخيار الإلكترونى الحل فى ذلك الوقت، وأيضا سنبحث فى الدار كل الخيارات الأخرى المتاحة قبل انطلاق معرض الكتاب».
فى السياق ذاته يوضح الناشر ماجد إبراهيم المدير العام لإحدى دور النشر أن العام الجارى شهد ضعفا فى كم التعاقدات بين الدار والمؤلفين بسبب عدم توافر ورق الطبع، قائلا: «أنا مش راضى عن اللى الدار حققته فى ملف التعاقدات مع الكتاب، وبشكل عام السنة دى مكنتش لطيفة فى ذلك الأمر بسبب أزمة الورق».
وأضاف «إبراهيم»: «الأزمة تتلخص فى جزئيتين، الأولى: بدأت منذ فترة التوقف بسبب فيروس كورونا ووقتها قلت عملية الاستيراد للورق بشكل كبير عما كانت عليه سابقا، فترتب على ذلك قلة حجم الورق المتوفر فى السوق، خاصة أن المصانع المصرية لا تغطى كافة الطلبات على الورق كما أن هناك فارقا فى الجودة بين المحلى والمستورد».
وتابع: «الأمر الثانى: تمثل فى ارتفاع سعر الدولار وانعكس على زيادة التكلفة للطبع، وبالتالى زيادة ما تتحمله الدار من ميزانية الطبع، وزيادة رسوم التعاقد المقررة بين المؤلف والدار مما جعل بعض الكتاب ينسحبون من التعاقد بسبب زيادة النسبة التى سيدفعونها حتى يخرج الإصدار للنور».
وأوضح المدير العام لدار الياسمين للنشر والتوزيع أن طن الورق كان سعره فى شهر يناير الماضى أى بالتزامن مع إقامة معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الماضية ١٨ ألف جنيه، فيما بلغ الطن خلال الفترة الجارية قرابة الـ ٤٠ ألف جنيه.
من جانبه..يقول محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب: سواء أكان الغلاء أصاب الخامات مثل الورق والأحبار والزنكات الورقية وطرق التصنيع وسعر الكُتب فهذا أمر جلل، موضحا أنه انعكس على أسعار مستلزمات تصنيع الكتاب وما يتبعها من تجهيزات فنية من ناحية أجور المصححين اللغويين والمحررين والمصممين. مردفا: الأسعار ترتفع دون هبوط، وهو الأمر السائد فى كل دول العالم العربى وليس مصر فقط.
تابع رشاد حديثه لـ«فيتو» قائلا: الأزمة الحقيقية تتلخص فى أن نسب المستلزمات الورقية المصرية التى تُستخدم داخل السوق الثقافى المصرى لا تتجاوز الـ30%، وجميع ما تستخدمه دور النشر المصرية ما هو إلا خامات ومستلزمات مستوردة، مضيفا: مع الظروف الذى نعيشها اليوم من غلاء وحروب آخرها وأبرزهم الحرب الأوكرانية الروسية وما قبلها من أوبئة وأمراض أصبح هناك محدودية فى سلاسل الإنتاج المصرى وإغلاق الكثير من دور النشر الناشئة.
وأوضح رشاد أنه رغم كل المصاعب التى تعانى منها المهنة، إلا أن هناك إلزاما غريبا بفرض رسوم جمركية كبيرة على مستلزمات الإنتاج، وارتفاع الضرائب على دور النشر ومعاملة الحكومة لها باعتبارها شركات استثمارية لا ثقافية مع إغفال كامل من الجهات المختصة بقيمة دار النشر ومساهمتها فى تشكيل الوعى الإنسانى والمجتمعى.
وكشف “رئيس الناشرين العرب” أن مصر وصلت لنتيجة سيئة بعد أن أصبحت المستلزمات الورقية البسيطة سعرها يتباين ما بين الـ700 لـ1500 دولار، فى وقت تتراجع قيمة الجنية المصرى أكثر من مرة خلال وقت قصير ما أدى لارتفاع أسعار صناعة الورق المصرية لأكثر من 65% من تكلفة الكتاب، لافتا إلى أن النتيجة الحتمية لهذه السياسة فقر فى العناوين والإصدارات الثقافية المقبلة وحتى الكُتب الخارجية، بعد أن أصبحت دور النشر لا تستطيع تحمل فرق العملات.
وعن الحلول وحقيقة لجوء دور نشر كبيرة لخدمة الكُتب الإلكترونية، قال “رئيس الناشرين العرب”: للأسف الشديد العرب لا يعترفون بأن “النشر” صناعة ذات قيمة، مما يجعلها فى أواخر أولويات الحكومات العربية، موضحا أن الحل فى تقديم المزيد من الدعم لدور النشر، حتى لا نصبح يومًا لا نجد فيه كتابًا بالسوق المصرى، فالقائمون على الصناعة قريبًا لن يجدوا أمامهم سوى الكتب الرقمية أو الصوتية “المسموعة” عبر متاجر الإنترنت.
هل انتهى عصر المطبوعات الورقية؟
اتفق عدد من أعضاء مجلس النواب، على وجود تأثيرات سلبية على صناعة النشر وإقبال الشباب على قراءة الكتب بعد الارتفاع الكبير فى أسعار الورق، بالإضافة إلى الخسائر التى يتحملها أصحاب دور النشر، وطالب النواب بدعم صناعة النشر فى ظل ما شهدته من تراجعات ملحوظة خلال الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار الورق.
النائبة منى عمر، عضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب قالت: إن صناعة النشر تعانى من أزمة كبيرة حاليا، لاسيما منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التى أثرت سلبيا على أسعار السلع ومن بينها أسعار الورق وخامات الطباعة، مضيفة لـ»فيتو»: أن الزيادة فى الأسعار تسببت فى خسائر ضخمة لدور النشر، وبالتالى ستتوقف عن طباعة الكتب أو يتم طباعتها بتكلفة عالية، ودعت عضو مجلس النواب إلى أهمية دعم تلك الصناعة المهمة للحفاظ عليها.
واتفقت معها ضحى عاصى، عضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، مشيرة إلى أهمية دعم صناعة النشر ولكن بعد دراسة متأنية بشأن ذلك الدعم، متابعة: هل سيتم توجيهه إلى الجهات الحكومية فقط مثل الهيئة العامة للكتاب ومراكز الترجمة وغيرها من دور النشر الحكومية، أم سيتم مد مظلة ذلك الدعم لدور النشر الخاصة المنتشرة قى السوق.
وأشارت عضو مجلس النواب إلى أن من أبرز الآثار السلبية لارتفاع سعر الورق وضع صعوبات أمام الشباب المحب للقراءة لافتة إلى أهمية دعم تلك الصناعة دون التخلى عن فقه الأولويات فى هذه الفترة التى تواجه فيها البلاد تحديات كبيرة.
وعن إمكانية أن تحل تكنولوجيا الاتصالات محل الكتب الورقية، أكدت النائبة ضحى عاصى، أن تلك الوسائل الحديثة لا يمكن أن تكون بديلة للكتاب الورقى، وإنما هى رافد جديد للمعرفة، وذلك بدليل أن المسرح استمر بعد ظهور السينما، وكذلك السينما استمرت بعد ظهور التليفزيون، فكلها أشكال مختلفة من أشكال المعرفة كل له طابع خاص به يناسب شرائح متنوعة.
فيما قال النائب محمد السلاب، وكيل لجنة الصناعة بمجلس النواب، إن صناعة الورق مثلها مثل أى صناعة أخرى تأثرت بارتفاع أسعار المواد الخام بسبب التضخم العالمى وارتفاع أسعار صرف الدولار الأمر الذى أثر سلبيا علينا فى مصر، لاسيما فيما يتعلق بالخامات المستوردة من الخارج.
وكيل لجنة الصناعة بمجلس النواب، شدد على أهمية النظر إلى تلك الصناعة المهمة ودراسة أوضاعها وتقديم دعم لها مثلها مثل أى صناعة أخرى يعمل بها قطاع كبير من العاملين.