محلل أمريكي: عسكرة اليابان تطور مهم لاحتواء خطر الصين
بعد عقود من تبني اليابان لسياسة التعايش السلمي والالتزام بعد امتلاك قوة عسكرية قادرة على التصدي للتهديدات الإقليمية، تتزايد المؤشرات على تحول استراتيجية طوكيو، والتفكير الجدي في امتلاك قدرات عسكرية قادرة على خوض المعارك مع القوى الإقليمية والمشاركة الفعالة في أي صراع إقليمي قد تشهده منطقة شرق آسيا.
ويقول المحلل السياسي الأمريكي هال براندز في تحليل نشرته وكالة بلومبرج: إن "زيارته الأخيرة لليابان ولقاءاته مع كبار المسئولين والمحللين في طوكيو كشفت عن ثورة في التفكير الاستراتيجي لليابان نتيجة الممارسات العدوانية للصين في منطقة شرق آسيا مما دفع اليابان إلى السعي لكي تكون قادرة على مواجهة أكبر دولة من حيث عدد السكان وإحدى أكبر القوى العسكرية في العالم".
الهيمنة على شرق آسيا
ويشير براندز إلى أن اليابان والصين ظلتا على مدى قرون في حالة صراع من أجل الهيمنة على شرق آسيا، وفي بعض الأحيان كانت إحدى الدولتين تهدد وجود الأخرى.
وإذا كانت الصين بالنسبة للولايات المتحدة خطرًا فإنها تظل خطرًا بعيدًا، لكنها بالنسبة لليابان تمثل خطرًا وجوديًا على أعتاب بابها.
وقبل سنوات من إعلان القادة الأمريكيين عودة الصراع بين القوى العظمى في العالم، كان المسؤولون اليابانيون يحذرون من تنامي الخطر الصيني. ومع تنامي قدرات الصين وتزايد خطورة ممارساتها في مضيق تايوان تزايدت حدة مخاوف اليابان.
الخطر الصيني
ويقول براندز الباحث المقيم في معهد "المشروع الأمريكي" والحاصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة ييل الأمريكية إنه "في حين بدت العاصمة اليابانية التي زارها خلال الأيام الماضية جميلة، كان هناك شعور قوي للغاية بأن عاصفة قوية تتجمع في الأفق"، مشيرًا إلى تحذير رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا في يونيو الماضي من أن "أوكرانيا اليوم وقد يكون شرق آسيا غدًا" في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير الماضي والخطر الصيني على دول شرق آسيا.
وخلال الشهر نفسه أظهر استطلاع للرأي أن حوالي 90% من اليابانيين يعتقدون أنه ينبغي على بلادهم الاستعداد لمواجهة غزو الصين لتايوان. وكان ذلك قبل أن يقرر الرئيس الصيني شي جين بينغ صب المزيد من الزيت على نار التوتر الإقليمي بإطلاق صواريخ بالستية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للعاصمة التايوانية تايبيه.
وفي الوقت نفسه تتباين الآراء في طوكيو، كما هو الحال في واشنطن بشأن متى سيكون خطر الحرب أكبر، وما إذا كان شي سيغامر بكل شيء في مقامرة عسكرية عالية المخاطر.
وقال بعض المسؤولين اليابانيين عن التغييرات التي أدخلها الرئيس الصيني حديثًا على دوائر الحكم العليا والتي شهدت تعيين أحد المحاربين القدماء في أخر حروب الصين الخارجية في فيتنام عام 1979 وقائد سابق للقوات الصينية المواجهة لتايوان في أعلى منصبين باللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الحاكم إنها تمثل تشكيل "مجلس حرب".
الجيش الشعبي
وفي الوقت نفسه يقول مسؤولون يابانيون آخرون: إن الجيش الشعبي سيظل لسنوات قادمة مفتقدًا للقدرات الرئيسية اللازمة لغزو تايوان مثل سفن الإنزال البرمائية.
ورغم ذلك لا جدال في اليابان على ضرورة استعداد البلاد لمواجهة الاضطرابات، لأن استيلاء الصين على تايوان بالقوة سيكون كارثة لليابان. فإذا سقطت تايوان في قبضة الصين، قد تصبح الجزر في أقصى جنوب غرب الأرخبيل الياباني بدون أي قدرة دفاعية. كما أن الصين قد تعترض خطوط التجارة الحيوية لليابان وتزيد الضغط عليها في النزاع بشأن السيادة على جزر سينكاكو وقهر منافستها التاريخية في المنطقة.
ولهذا أعلنت حكومة اليابان بأقصى قوة ممكنة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة لغزو تايوان، رغم نفور اليابان التقليدي منذ الحرب العالمية الثانية من استخدام القوة بشكل عام. وبالفعل بدأت اليابان التحرك السريع لتعزيز قدراتها العسكرية للدفاع والردع.
وتخطط اليابان لمضاعفة إنفاقها العسكري بحلول 2027، كما حولت بعض جزرها الجنوبية الغربية إلى نقاط حصينة مزودة بصواريخ مضادة للسفن وأنظمة دفاع جوي.. كما تعتزم استخدام أسطولها المتقدم من الغواصات للتصدي للبحرية الصينية. كما تتحرك طوكيو للحصول على صواريخ توما هوك الأمريكية العابرة للقارات وغيرها من القدرات العسكرية القادرة على الوصول إلى الأراضي الصينية لاستخدامها في أي هجوم مضاد.
الخطر الكوري الشمالي
ويبرر اليابانيون بعض هذه التحركات العسكرية الأخيرة بأنها تستهدف التعامل مع الخطر الذي تمثله كوريا الشمالية التي تواصل إطلاق الصواريخ بالقرب من اليابان، لكن المسؤولين اليابانيين اعترفوا في أحاديث خاصة بأن كل أزمة مع بيونج يانج تعزز حجتهم في ضرورة الحصول على الأسلحة القادرة على مواجهة أي عدوان صيني.
وفي الوقت نفسه ازداد عمق التعاون العسكري بين أمريكا واليابان حيث كثفت قوات البلدين التدريبات المشتركة بما في ذلك التدريبات واسعة النطاق أمام الجزر اليابانية الجنوبية خلال الشهر الحالي، مع الاستعداد للقيام بعمليات عسكرية مشتركة في حالة نشوب صراع حول تايوان.