مناضلو الكيبورد
تلقيت خلال الأسبوع الماضي عددا من رسائل العتاب، بعضها رقيق والآخر متوتر ومتشنج للغاية، من قراء وأصدقاء أعزاء، رأوا - من وجهة نظرهم- أننى حاولت فى مقالى السابق ويسألونك عن 11/11 أن أجد مبررا ومخرجا لأخطاء الحكومة التى وصلت بالبلاد إلى ما نحن فيه من أزمات اقتصادية، ونوعا من التسكين لحالة الغضب التى تنتاب الطبقات الفقيرة والمتوسطة جراء ما لحق بهم من تدهور.
ولأننى لا أضيق صدرا بالرأي الآخر، وأؤمن بأن الشفافية والمصارحة هى أقرب الطرق للوصول إلى عقل وقلب القارئ، فأننى أؤكد لهم جميعا، أنه رغم الاختلاف بيننا فى وجهات النظر، غير أننا نتفق بالتأكد على الهدف وهو حب وبناء هذا الوطن، وهو ما لا يمكن بالطبع أن نحققه أو تحققه سلطة سوى بالاستقرار والهدوء وتدارك الأخطاء، وليس بالاحتشاد والثورة والتخريب والتدمير والدخول بالبلاد في موجة من التخبط السياسي تعود به إلى الوراء لسنوات.
أعلم أن هناك بالتأكد من يختلف مع الحكومة في كثير من سياساتها ولاسيما الاقتصادية، التى أرى بالفعل أنها باتت في حاجة إلى مراجعة وإعادة توجيه نحو قطاعات مثل الصناعة والزراعة والصحة والتعليم، غير أى منا لا يستطيع أن يشكك في أن تلك السياسات أيضا كانت تحمل كثيرا من حسن نوايا وليس نهبا للمال العام، وأسفرت خلال السنوات القليلة الماضية عن النهوض بقطاعات شتى، ما كانت تصل إلى ما عليه من تقدم إلا بتوافر الاستقرار والإرادة والتخطيط والعمل الجاد.
هدم الوطن
دعونا نتفق بعيدا عن التشنج والمزايدات أن التظاهر والاحتشاد لن ينتج سوى الخراب، وهو ما رأيناه بأعيننا خلال أحداث يناير 2011 وما أعقبها من أحداث أعادت البلاد إلى الوراء لعشرات السنين، وهو هدف تطمح دول ومليشيات متطرفة لتحقيقه من خلال دعوات 11/11 جعلها تنفق مليارات الدولارات على منصات إعلامية ولجان إلكترونية تعمل ليل نهار على توجيه الرأي العام المصري نحو الثورة على النظام، وإدخال البلاد في متاهة سياسية واقتصادية لا يعلم إلى أين ستسير أو تنتهى بنا إلا الله.
يقينى أن خطورة ما تمر به مصر الآن يحتم علينا جميعا الهدوء، وتفرض على الحكومة ضرورة إعادة النظر في كثير من السياسات ولاسيما الاقتصادية المتأزمة، للخروج بحلول سريعة لتخطى الأزمة، وهو ما لن يتحقق إلا بالاستماع لآراء الخبراء، على عكس النهج الذي ساد المؤتمر الاقتصادي الأخير الذي أهدرت الحكومة خلاله فرصة الاستماع والخروج ببرنامج اقتصادي محكم يمكنها من العبور بالبلاد من الأزمة، مفضلة تمرير فعالياته بشكل طغى عليه استعراض الإنجازات، مما أفقد المؤتمر أهدافه وانتهى مثلما عقد.
أؤكد أن خطورة المرحلة التى تعيشها مصر في الوقت الحالى تفرض على الجميع ضرورة الاعتراف بأن هناك أخطاء لابد من تداركها، بعيدا عن توتر الشارع الذي لن يأتي سوى بالخراب، وعناد الحكومة الذى لن يزيد الأزمة سوى تعقيدا، وتحريض مناضلي الكيبورد الذين لا يعنيهم سوى دولارات من يعملون لحسابهم.
دعونا نتفق بأنه لا يوجد نظام في العالم من الملائكة، وجميعهم بشر يصيبون ويخطئون، وأن الأخطاء يمكن تداركها بعيدا عن دعوات الثورة والخراب وفقدان نعمة الأمن التى تعد بالفعل أغلى السلع على وجه الأرض، وهي القناعة التي خرج بها الجميع بعد تجربة يناير 2011 وما أعقبها من انفلات أمني وتراجع سياسي واقتصادي.
قناعتي بأنه المجاملة على حساب أمن الوطن خيانة، وأنه لولا عناية الله والإرادة التى مكنتنا من استعادة الدولة، لظللنا حتى اليوم نعانى ذات مصير دول عديدة بالمنطقة مثل سوريا وليبيا واليمن التى مازالت تعانى الأمرين سياسيا واقتصاديا وأمنيا حتى اليوم، وتحتاج لسنوات للعودة.
لم أستفد طوال حياتي من نظام ولم أسع، ولم أنتم يوما لتيار أو فصيل سياسى أو دينى، وأؤمن بمصريتى وبأن الكلمة أمانة سأحاسب عليها أمام الله، وكتبت مقالى السابق كغيره من مقالاتى من دافع وطنى لا يقبل المزايدة أو الرياء، قانعا بأن دعوات 11/11 تهدف لإسقاط وطن لا إسقاط نظام.. وكفى.