التحضير للاغتيال الثاني
عرف الإنسان قتل أخيه الإنسان، منذ بدء الخليقة، ومازال قابيل موجودا، واسمه مخلد رغم أنه قاتل، أما هابيل شقيقه القتيل فليس له ذكر إلا عند سرد التاريخ والبدايات. أما قتل الأوطان فلم يعرف أن أحدا قتل وطنه إلا إن كان خائنا، وهو أحقر خلق الله عادة، حتى عند من يستعملونه، ناهيك أنه كذلك في نظر بنى وطنه. إستعمال الناس على أوطانهم هو الحرب الحديثة، تأليب فئات الشعب ضد العموم من الناس، وتوظيف الدين، واثارة السخط، وتسخير مشكلات الأكل والشرب والحياة اليومية لتوسيع قاعدة الاحتجاج.
ومنذ أسبوع تقريبا ومواقع التحريض لا تهدأ في الدعوة إلى قتل البلد، وتعطيل مصالحها وإشاعة الخراب. يقتل الفرد أخاه، ثم ينتبه أنه قتل نفسه فيبكي ويندم، والذين قتلوا الوطن وخربوه وجردوه، لحساب الأجنبي سرعان ما عاد قطيع كبير منهم يبدى مظاهر الندم ويغني: كنا عايشين وكنا مبسوطين!
قيمة الوطن
اليوم ندفع ثمن الغباء العام، والذين شاركوا بحسن نية رغبة في التغيير سرعان ما أدركوا أنهم جرى استخدامها لحساب المخطط الإخواني الأمريكي. دعوات النزول إلى الشوارع هي سيناريو الخراب الذي مازلنا نعاني آثاره حتى اليوم، وإذا كانت هذه الآثار هي جريمة ارتكبها من خرجوا إلى الشوارع، بسوء نية أو بحسن نية، فإن الوطن لا يتحمل طعنة غضب أخرى.
لو لم تكن كورونا، ولو لم تكن أوكرانيا، ما تألم الناس من نار الأسعار، وجشع التجار. لقد تحالف ظرف إلهى مع ظرف دولى قهرى، لجعل حياة البشر أصعب، بشر أوروبا وبشر أفريقيا وآسيا. الكسبان الأوحد من هذا المأزق الاقتصادي العسكري، هو الدولة التي صنعت حرب أوكرانيا وروسيا، وأعنى بها الولايات المتحدة. حين عرض وزير الدفاع الأمريكي التقرير الاستراتيجي لبلاده، تحدث عن الصين بوصفها القوة الكبرى القادمة التي لديها الرغبة والقدرة على منازعة واشنطن في السلطة على العالم..
وهو اعتبر روسيا خطر كبير على أمريكا لكن ليس على المدى البعيد. نقول هذا لنفهم أن ما نحن فيه سببه هذه الاستراتيجية التي تجعل زعامة أمريكا مقدمة على حقوق وأرزاق واستقرار الشعوب. نقول هذا لنفهم أن الدولة المصرية تواجه ظرفا دوليا لا قبل لها به، بل إن الأوروبيين أنفسهم في معاناة طاقة وأجور وسلع. ونقولها بكل وضوح، إن البلد لو لا قدر الله وقع، فلن.. والله لا يقوى قلمى على ذكر جواب الشرط!
لا لن تقع مصر أبدًا، وسنصبر، ونتساند ونجتاز بحار الطين، ونحافظ على الوطن، ورغيف حاف في وطن آمن خير مليون مرة من وطن بلا أبواب، مستباح، رهين الخونة والعملاء.. في الوقت ذاته، فإن السخط الشعبي مرجعه الوجوه السمجة المنافقة، الجاهلة، التي تطفح مسام وجوههم بالثراء، ويحدثون الناس عن التقشف.
وأزعم أن عصبة في الإعلام وراء نصف الاحتقان القائم، يستثمره الإخوان ودعاة الفوضى، لكن جموع الشعب ستدافع عن الوطن وتنصره وتساند دولتها وتحافظ عليها.. اللهم إحفظ مصر. وعلى الحكومة استحضار الكفاءات للمناصب الصحيحة، كفاءات أقصيت، لحساب من هتفوا ضد الدولة ذاتها، يا عجبا، وعلى الحكومة مراجعة وجود كائنات غير مؤهلة تخاطب الرأي العام فتستفزه!