الطريق الوحيد لإنقاذ مصر
كم ناديت حتى بح صوتي بأنه لا قيمة أو تقدم لمصر بدون التوسع في الصناعة والزراعة، وأنه لا ينبغي أن ننتظر المستثمر الأجنبي، فالبنوك المصرية مكدسة بالأموال ولا تنتظر سوى الإرادة لإنشاء المصانع للاكتفاء الذاتي ثم التصدير، ولم أجد مستجيبا لمثل هذه النداءات بل وجدت تركيز الحكومة على إقامة مشروعات سكنية وإعادة رصف طرق وإنشاء الكباري، ولا أقول إن ذلك غير مفيد لكن طبقا لفقه الأولويات كان ينبغي التركيز على إقامة المصانع ومن عائدها نستطيع إنشاء كل شيء، فالمصنع يعني يد عاملة والتغلب على البطالة، ويعني عدم الاحتياج للدولار، ويعني إمكانية الحصول على الدولار من التصدير..
لكن أخيرا تنبهت الحكومة لتلك الأزمة التي وضعت نفسها فيها، فنجد الرئيس السيسي خلال فعاليات إطلاق الملتقى والمعرض الدولي الأول للصناعة، يقول: "إن أزمة الدولار وفاتورة الدولار تزيد عاما بعد آخر". وتابع السيسي: "فاتورة الدولار بتزيد علينا سنة بعد سنة، إذا ماكناش نسابق الوقت ونحقق فرصة في إنتاج جزء كبير من المنتجات والمستلزمات اللي بنجيبها من برا".وأردف: "نزود الناتج المحلي ونشغل الناس في مصر، ونستهدف في أي مشروع أن نغطي الطلب في مصر بالأول قبل التصدير".
وقد طالب رئيس اتحاد الصناعات المصرية المهندس محمد زكي السويدي الرئيس بتفعيل الرخصة الذهبية وأضاف مخاطبا الرئيس السيسي: "يا ريت يا فندم الرخصة الذهبية تبقى للكل، ويشتغلوا فورا بدون إقرارات". ليعلق السيسي، على طلب السويدي قائلا: "إحنا حنعطي الرخصة الذهبية لكل المتقدمين، لمدة 3 أشهر، ونشوف الدنيا هتبقى عاملة إزاي، ولو الأمور مشيت كويس ولقينا حجم الإنجاز كان مشجعا، نقدر نفكر نستكمل 3 أشهر أخرى، أو نرجع للنظام القديم".
الرخصة الذهبية
ويذكر أن الرخصة الذهبية لا تعفي المستثمر من متطلبات محددة، ولكنها تختصر كل شيء في موافقة واحدة، ويستلزم من المشاريع الاستثمارية المؤهلة للحصول على الرخصة الذهبية استيفاء جميع المتطلبات التنظيمية من الجهات الحكومية المختلفة، ولكن الاختلاف الجوهري هو أن المستثمر يمر بعملية أبسط كثيرا، تقلل الوقت والجهد، وتلغي الحاجة إلى الحصول على موافقة منفصلة من عشرات الجهات الرسمية المختلفة، وحتى الإجراءات المتعلقة بتراخيص البناء تختصر في الرخصة الذهبية، أي أنه إذا تم الحصول على الرخصة الذهبية، فبذلك يكون تم الحصول على كل الموافقات اللازمة لبدء المشروع.
ومن المؤكد أن منح الرخصة الذهبية للمستثمرين الصناعيين، سيشجع على ضخ استثمارات صناعية جديدة نحن في أمس الحاجة إليها لزيادة الناتج الصناعي، ورفع معدلات نمو الاقتصاد الوطني، فلا يهم قيمة الاستثمارات الصناعية التي سيعمل القرار على إقامتها، الأهم هو إنشاء مصانع تنتج منتجات بديلة للمستوردة مما يسهم في خفض فاتورة الواردات، ومن ثم تقليل فاتورة عجز حساب الميزان المدفوعات.
وتواجه مصر فجوة في النقد الأجنبي نتيجة تخارج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، مما أدى إلى اتجاه الدولة للاقتراض من صندوق النقد الدولي، الذي اشترط على مصر تبني نظام سعر صرف مرن ليصل سعر الدولار إلى 23.99 جنيه للشراء، 24.13 للبيع، بالبنك المركزي المصري.
ولا زالت الصناعة تواجه تحديًا في توفير مستلزمات الإنتاج والمواد الخام المستوردة عقب تطبيق نظام الاعتمادات المستندية مما يتطلب تدخل الدولة لتيسير استيراد هذه المستلزمات لاستئناف زيادة الناتج الصناعي، وزيادة المعروض في الأسواق، مع بحث إمكانية تصنيع مستلزمات الإنتاج محليًا بغرض خفض فاتورة الاستيراد.
وينبغي في هذه المرحلة إعطاء الأولوية للصناعات الهندسية والبتروكيماويات والنسيجية والملابس الجاهزة في ظل ما تتميز به مصر من مقومات تنافسية بهذه الصناعات يمكنها من زيادة الناتج الصناعي بشكل ملحوظ، وخفض فاتورة الواردات بل وزيادة الصادرات المصرية للدول المجاورة. كما أن هذه الصناعات من أكثر الصناعات التي تشغل عددًا كبيرًا من العمالة مما يسهم في خفض البطالة، وقد ارتفع معدل البطالة في مصر إلى 7.2% خلال الربع الثاني من العام الجاري ليبلغ 2.15 مليون عاطل، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
كما أن الصناعات الكيماوية تنتج العديد من المنتجات التي تدخل في العديد من الصناعات. وقد بلغ عجز حساب المعاملات التجارية لمصر 16.6 مليار دولار خلال العام المالي 2021/2022 منخفضًا بنسبة 10.2% عن العام المالي السابق، نتيجة الزيادة غير المسبوقة في الصادرات السلعية، سواء البترولية وغير البترولية، التي ارتفعت بمعدل 53.1%.
ونجد أن تحقيق عوائد من قرار الرخصة الذهبية يتطلب تفعيلها على أرض الواقع، لتسريع وتيرة إنشاء المصانع المصرية في أسرع وقت بدلًا من انتظار المصنعين لفترة طويلة للحصول على تراخيص البناء والتشغيل، مما يسهم في زيادة الناتج الصناعي وبالتالي ارتفع الصادرات المصرية للخارج وتحقيق زيادة في الصادرات المصرية لتحقق مستهدف الحكومة للوصول إلى 100 مليار دولار صادرات سنوية.