من البحرين.. شيخ الأزهر يدعو المسلمين الشيعة إلى الحوار "بقلوبٍ مفتوحةٍ" لتجاوز صفحة الماضي.. وتعزيز الشأن الإسلامي وتعزيز التقارب ونبذ الفرقة
وجه فضيلـة الإمـام الأكبـر الدكتور أحــمَد الطَّـيِّب، شَـيْخ الأزهــر الشَّــريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، نداءً إلى عُلماءِ الدِّين الإسلامي في العالم كلِّه على اختلافِ مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم، إلى المسارعة بعقدِ حوارٍ (إسلامي إسلامي) جاد، من أجلِ إقرار الوحدة والتَّقارُب والتَّعارف، ومن أجل الأُخوَّة الدينيَّة والإنسانية، تُنبَذُ فيه أسباب الفُرقة والفتنة والنِّزاع الطَّائفي على وجْهِ الخصوص، ويُركَّز فيه على نقاطِ الاتِّفاق والتَّلاقي.
وشدد فضيلة الإمام الأكبر، خلال كلمته بالجلسة الختامية في ملتقى البحرين للحوار، اليوم الخميس، في قصر الصخير بالمنامة بحضور جلالة ملك البحرين وبابا الفاتيكان، على أهمية أن يُنصَّ في قرارات هذا الحوار على القاعدةِ الذهبيَّة التي تقول: يَعْذُرُ بعضُنا بعضًا فيما نختلفُ فيه، كما يُنصُّ فيه على وقفِ خطابات الكراهية المتبادلة، وأساليب الاستفزاز والتَّكفير، وضرورة تجاوز الصِّراعات التاريخيَّة والمعاصرة بكلِّ إشكالاتِها ورواسبها السَّيْئة.
ووجه الإمام الطيب دعوة إلى المسلمين الشيعة للحوار بالقول: هذه الدَّعوة إذ أتوجَّهُ بها إلى إخوتِنا من المسلمين الشِّيعة، فإنَّني على استعدادٍ، ومعي كبارُ علماء ومجلس حكماء المسلمين، لعقدِ مثلِ هذا الاجتماع بقلوبٍ مفتوحةٍ وأيدٍ ممدودة للجلوسِ معًا على مائدة واحدة؛ لتجاوز صفحة الماضي وتعزيز الشأن الإسلامي ووحدة المواقف الإسلاميَّة، التي تتَّسِمُ بالواقعيَّة، وتُلبِّي مقاصد الإسلام وشريعته، وتُحرِّمُ على المسلمينَ الإصغاء لدعوات الفُرقة والشِّقاق، وأنْ يحذروا الوقوع في شَرَكِ العبث باستقرار الأوطان، واستغلال الدِّين في إثارةِ النَّعرات القوميَّة والمذهبيَّة، والتدخُّل في شؤونِ الدول والنَّيْلِ من سيادتها أو اغتصاب أراضيها.
كما أعرب فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، عن خالص شكره وتقديره لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، وتقديره لدعوة فضيلته لزيارة مملكة البحرين العزيزة، والمُشاركةِ في هذا الملتقى الكبير: «مُلْتقَى الشَّرق والغرب من أجلِ التعايش الإنساني".
ووصف شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين خلال كلمته في ختام ملتقى البحرين للحوار بحضور جلالة ملك البحرين وبابا الفاتيكان- بالملتقى التاريخي لما يضمُّه من قاماتٍ كُبرى من العُلماءِ والحكماءِ وقادَة الفِكْر، وكبار والسِّياسيِّينَ والإعلاميِّينَ وغيرهم من شَرْقِ البلادِ وغربِها.. وهو -كذلك- مُلْتقًى يَسْتحِقُّ أنْ يتوقَّفَ التاريخ عنده ليُسجِّل كلماته وتوصياته بأحْرُفٍ من نورٍ؛ فهو صوتٌ ينبعث من البحرين هذا البلد العريق، صاحب الميراث التَّليد في الجنوح إلى السَّلام والتسامُح وتعايُش الحضارات والثقافات وحواراتها، وتحويل ما يُلائم منها إلى مصدرِ طاقةٍ خلَّاقةٍ ومُبْدِعةٍ تَصُبُّ في اتِّجاهِ الاستقرارِ المجتمعيِّ، والتطوُّر الاجتماعي البَنَّاء.
وأضاف شيخ الأزهر أنه ليس هناك حاجة لتكرار أحاديثَ الصِّراع الذي تعيشُه الإنسانيَّة اليومَ في الشَّرقِ والغَرب، ولا وَصْفَ ثَمَراتِه المُـــرَّة التي يَجنيها إنسانُ القَرْنِ الحادي والعشرين: حروبًا ودماءً وتدميرًا وفقرًا، بل ثُكلًا ويُتْمًا وتَرمُّلًا وتَشْريدًا، ورُعبًا من مُستقبلٍ مجهولٍ، غير أنَّ من المهم الإشارةَ إلى أنَّ سببَ هذه المآسي هو «غياب» ضابط «العدالة» الدوليَّة الذي وضَعَه الله قانونًا لاستقرارِ المجتمعات، وتحقيقِ توازن الإنسان: جَسَدًا ورُوحًا على هذه الأرض، وإلَّا تحوَّلت المجتمعات الإنسانيَّة إلى ما يُشبه مجتمعات الغاب والأحراش.. دَعْ عنكَ ضحايا الحروب التي يَصْنعُها «اقتصاد السُّوق» واحتكارُ الثَّروات، وجشعُ التَّمَلُّكِ والاستهلاك، وتجارةُ الأسلحة الثقيلة والفتَّاكة وتصديرُها إلى بلدانِ العالم الثالث، وما يَلزَمُ ترويجها من تصديرٍ للنِّزاعِ الطَّائفيِّ والمذْهَبيِّ، وتشجيعٍ للفتنةِ والنِّزاعِ، وزعزعةِ الاستقرار.
وتابع شيخ الأزهر أنَّ السِّياساتِ التي تُثْمر هذه المآسي أصبحت تدعمُها نظرياتٌ فلسفيَّةٌ نزلَتْ إلى واقع المجتمعات الغربيَّة، وحكمت تصوُّرات الدول الكُبرى في علاقاتها الدوليَّة مع الشعوب النَّامية والفقيرة، وتأتي في مُقدِّمةِ هذه النَّظريات: نظريَّةُ صِراع الحضارات، ونظريةُ نهاية التاريخ، ونظريةُ العولمة، وكلُّها نظرياتٌ استعلائية تُمهِّد لميلادِ نظامٍ عالميٍّ جديدٍ، وتُمكِّنُ لاستعمارٍ حديث لا نعرف قوادمه من خوافيه، ومنذُ أيَّامٍ قليلةٍ فقط سمعنا تصريحات لأحد كبار المسؤولين الغربيِّين يقولُ فيها ما معناه: أنَّ أوروبا حديقة غنَّاء، والعالـَم من حولها أدغال وأحراش، ومثلُ هذه التصريحات غير المدروسة إنْ دلَّت على شيءٍ فإنَّما تدلُّ على جهلٍ واضحٍ بحضاراتِ الشَّرقِ، وبتاريخِها الذي يضربُ بجذورِه إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وليس إلى ثلاثمائة أو أربعمائة عام فقط.
وأكد رئيس مجلس حكماء المسلمين أنَّ جُلَّ هذه المخاوفِ التي تُساورُ نفوسَ الشَّرقيِّين اليـوم من الحضارة الغربيَّة، تُساورُ –وبالقدرِ ذاتِه– عقولَ نخبة مُتميَّزة من مُفكِّري الغرب وكبار قادته، فقد أدركَ بعضُهم أنَّ «السِّياسة الغربيَّة لم تَعُدْ مُجْدِيةً في معالجةِ الأزمات العالميَّة، لما تتَّسِمُ به من تشنُّجاتٍ تقومُ على استعراضِ «عضلات السِّلاح المدَمِّر الذي يُهدِّدُ الإنسانيَّة» واقْترحَ أنْ تحلَّ «الثقافة» محلَّ السِّياسة، في العلاقات الدوليَّة، لما للثقافة من قُدْرةٍ على فَهْمِ الإنسان، واستيعاب أبعاده المتعدِّدة: جَسَدًا ورُوحًا وعَقْلًا ووجْدَانًا.
واستبشر شيخ الأزهر بما يحدث حاليا من تقارب بين شعوب الشرق والغرب وقال إنه لا ينبغي أن نيأسَ من أنْ يأتيَ يوم قريب تستعيدُ فيه علاقات الشَّرق والغرب صِحَّتها وعافيتها، لتُصبح علاقةَ تكامُلٍ وتعاون مُتبادَل، بعدما تقاربتْ المسافات وتَلاشَت الحدود، ولم يَعُدْ أيٌّ من الغربِ والشَّرقِ بمعزلٍ عن الآخر كما كان في القرنِ الماضي.
وتستضيف العاصمة البحرينية المنامة ملتقى البحرين للحوار «الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني» يومي الخميس والجمعة 3و4 نوفمبر، تحت رعاية الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، وبمشاركة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة، ونحو 200 شخصية من رموز وقادة وممثلي الأديان حول العالم، إضافة إلى شخصيات فكرية وإعلامية بارزة، بتنظيم من مجلس حكماء المسلمين، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مملكة البحرين، ومركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي.