محمد حمام.. صاحب "يا بيوت السويس" الذي ذاع صيته من رحم المعتقلات.. ومصر أكرمته بجنازة تليق بتاريخه
مطرب نوبي صاحب صوت دافئ جميل، لم يهتم بالشهرة والأضواء بقدر ما اهتم بتقديم فن أصيل، فمنذ كان في الخامسة عشر من عمره اشترك المطرب محمد حمام في مجموعة سياسية ـ ولد فى مثل هذا اليوم 4 نوفمبر 1942 ـ وقضى سنوات طويلة انشغل فيها بالعمل السياسي حتى أنه اعتقل مرتين وبعد خروجه من المعتقل قرر تسخير موهبته كفنان لخدمة هذا العمل السياسي أيضا، وكان يرى أنها أكثر أهمية من إجراء أي محاولات للسعي وراء "النجومية".
ربطت الصداقة بين محمد حمام والشاعر عبد الرحمن الابنودى فجمعت بينهم العديد من الأغانى وبعد أن خرج محمد حمام من السجن بعد اعتقاله واتهامه بسبب آرائه السياسية وكانت مصر فى فترة الحرب وحاول حمام المساهمة في إيقاظ الروح الوطنية لأبنائنا على الجبهة، فقدم عدة أغانى مع الأبنودي على الجبهة وسط الجنود أشهرها أغنية (يابيوت السويس يابيوتنا دمتي.. استشهد تحتك وتعيشي انت" وقام الملحن إبراهيم رجب بتلحين الأغنية مجانا حيث رفض اى مقابل مادى وكان وقتها ينتقي الكلمات التي يلحنها والتي تتوافق مع مبادئه السياسية.
الليلة ياسمراء
قضى محمد حمام في المعتقل اكثر من خمس سنوات منذ عام 1959 فكانت فترة المعتقل هي فترة اكتشاف، حيث احتفل حمام مع المناضلين بعيد ميلاد أحد زملائهم ـ أحمد منيب ـ السجين معهم، وكتب فؤاد حداد "الليلة ياسمراء " ليغنيها محمد حمام حيث كان ثلاثتهم في المعتقل وكنوع من التخفيف عنهم غنى محمد حمام وتفاجأ بترحيب وإشادة زملائه، وبعد أن خرج من المعتقل ليدعمه الصحفى الفنان حسن فؤاد ويقدمه للجماهير.
العشق والسفر
تعددت مواهب محمد حمام، حيث استغل فترة المعتقل في كتابة الأشعار جمعها في ديوان غير مكتمل عن القضايا السياسية، وكذلك كان يرسم نظرا لأنه مهندس معماري وخريج كلية الفنون الجميلة، فضلا عن موهبته في التمثيل حيث شارك كممثل في فيلم «ظلال على الجانب الآخر» مع الفنانة نجلاء فتحي، وفيلم «العشق والسفر» وكان أول بطولة للفنانة حنان ترك، وتم تصويره كاملا في النوبة تحديدا في قرية محمد حمام.
وشارك أيضا كممثل في فيلم من إنتاج فرنسي تونسي تدور أحداثه عن العرب المهاجرين إلى عاصمة الحب “باريس”، والمشاكل التي يتعرضوا لها، وكذلك فيلم من إنتاج كويتي لم يكتمل عن النوبة والحنين إليها وكانت من أكبر أمانيه تقديم عمل عن النوبة وشارك كمطرب في فيلم “ آلو أنا القط “. ومن أشهر أغانيه ” الأم”.
بعد خروجه من المعتقل كان قد انتقل إلى الجزائر لمساعدة المناضلين هناك في الستينات، وظل يمارس العمل السياسي حتى قرر المشاركة في انتخابات مجلس النواب في أوائل التسعينات عن طريق الترشح في حزب التجمع.
فرقة أولاد الأرض
لم يغن محمد حمام للجنود والناس في الشوارع منفردًا فقط، وإنما أيضًا مع فرقة "ولاد الأرض" التي كونها محمد الغزالي شاعر المقاومة الشعبية في السويس آنذاك، وكانت تصاحبها آلة السمسمية الموسيقية.
وحسبما ذكر حسين العشي في كتابه "سنوات الحب والحرب" تكوّنت الفرقة من مجموعة من الشباب الذين كانت تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة عشرة والثلاثين عامًا، وكلهم كانوا من أعضاء المقاومة الشعبية ورفضوا التهجير خارج المدينة بعد الحرب، واستمروا داخلها طوال حرب الاستنزاف، وواجهوا كل أخطار المعارك اليومية.
بجانب حمام ضمت الفرقة الأبنودي الذي كان مقيمًا بصفة شبه دائمة خلال سنوات الحرب بالسويس، والملحنين إبراهيم رجب وحسن نشأت والشاعرين عطية عليان وكامل عيد.
تزوج محمد حمام ثلاث مرات انتهت جميعها بالانفصال، واستمر في النشاط الفني حتى منتصف التسعينات حتى أصيب بجلطة في المخ أدت إلى إصابته بشلل نصفي لم يسمح له بممارسة عمله كفنان أو عمله السياسي، وظل قعيد الفراش خمس سنوات حتى وفاته في عام 2007، حيث تم نقل جثمانه بطائرة عسكرية ملفوفًا بالعلم المصري إلى مسقط رأسه في أسوان، وهناك أطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة، وفي مدينة السويس التي طالما غنى لها، تم تنكيس الأعلام حدادًا على روحه.
وأطلق اسم حمام على أحد الشوارع الرئيسية في مدينة السويس نظرًا لدوره الوطني المؤثر الذي تركه في نفوس الناس في الستينيات.