الكيلو بخمسة جنيه والحسابة بتحسب
صادفت أحد جيران الحي يحمل جوالًا كبيرًا ممتلئُا عن آخره ببقايا الكارتون، ما بين علب طعام جافة فارغة أو علب دواء ممزقة أو بعض عبوات فارغة لمنتجات مختلفة، وبعد التحية دار الحديث بيننا عما إذا كان يرغب في المساعدة فى حمل الجوال، فأخبرني بأنه خفيف نوعا ما لأنه محمل بالكارتون، وحينما عاودت سؤاله، عن وجهته، أخبرني أنه ذاهب لبيع ما معه، مردفا: "بستفيد وأبيع الكيلو بخمسة جنيه".
وبعد أن علمت وجهته، وهو متجر مهمته فصل نفايات المنازل وتجميعها وشراؤها من المواطنين بالكيلو جرام، علمت منه أن سعر كيلو الكرتون الممزق يبلغ خمسة جنيهات، بينما كيلو البلاستيك الهالك، يتجاوز خمسة جنيهات، أما سعر مخلفات المياه الغازية "كان"، فيشتريه المتجر بعشرين جنيها، فيما يبلغ سعر كيلو المخلفات المعدنية عشرة جنيهات أو أكثر حسب سعر المعدن هذا اليوم.
استأذنته فى الذهاب معه إلى هذا المتجر؛ دراية بالأمر عن قرب، ولم يجد غضاضة فى ذلك، وبعد وضع الجوال على الميزان وبحسبة محتوياته، تجاوزت الحمولة عشرة كيلو جرامات، أي أن هذا الجار تقاضى مبلغ 50 جنيها، من أشياء كان مصيرها مقلب القمامة وحسب.
إعادة تدوير المخلفات
شرفت بالأمس بحضور مؤتمر صحفي هام لفعالية تحدث لأول مرة فى مصر، ألا وهي توقيع عقد بين شركتين متخصصتين فى تصنيع مواد التعبئة والتغليف؛ بهدف إنشاء أول مصنع من نوعه لإعادة تدوير مخلفات الكرتون المستهلكة المجمعة من المنازل والمقالب العمومية، ومن ثم الاستفادة منها من جديد في أغراض تصنيع أخرى، مثل: قطع الأثاث، أو بعض المنتجات المنزلية التى لا تضر الصحة العامة أو البيئة.
ربما حان الوقت، بالتزامن مع استضافة مصر أكبر حدث بيئي عالمي وهو مؤتمر المناخ Cop 27 فى شرم الشيخ، لتبني ثقافة إعادة التدوير بدءًا من البيوت، وهو السلوك القائم على الاستفادة من كل شئ وأى شئ متاح الاستفادة منه بدلا من التخلص منه، بإعادة التصنيع بهيئات وأغراض أخرى غير الأصلية له، وبالتالي يوفر هذا، مبالغ طائلة مطلوبة لاستيراد المواد الخام، ويفتح الباب لتشغيل آلاف الأيدي العاملة فى مهمات الجمع والفرز والتصنيف وتهيئة المواد لإعادة التصنيع من جديد.
ربما كنا الآن فى حاجة إلى تدشين حملة قومية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، للتوعية بأهمية الاستفادة من إعادة تدوير النفايات، بتحصيل عائد مادى لربة المنزل وأسرتها، وبالفعل توجد سابقة فى هذا المجال وهو تجميع زيوت الطعام، الذي تستفيد منه إحدى الشركات المتخصصة في تصنيع الوقود وتصديره إلى الخارج في مقابل مادي لربة المنزل يشجعها على تجميع الزيت المستعمل وتنقيته وتسليمه إلى مندوب تلك الشركة.
عملية إعادة التدوير مفيدة جدا من عدة أوجه، أولا: تقليل حجم أطنان النفايات الملقاة فى المقالب العمومية والتى يستسيغ البعض إلقائها في الشارع وعلى قارعة الطرقات، وثانيا: تفيد من جهة تقليل عمليات حرق القمامة التى يقوم بها البعض، وما يصاحب هذا السلوك الذميم من أمراض صدرية وتنفسية لا يتحملها الكبار والصغار، والوجه الثالث والأهم أنها ستفيد الأسرة في عائد مادي يخفض قيمة المنتج الأصلي للعبوة بعد أن عاد إليه جزء منها في صورة نقود.
دعوة لمحاكاة النموذج الغربي في هذا، وهو النموذج الذي يستفيد من كل شئ وأى شئ، ونرحب بل لابد من تشجيع كل صانع مصري وطني، يفكر في الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة على الأرض، دون إرهاق كاهل الدولة بأعباء مالية إضافية.