ويسألونك عن 11/11
هل مصر بالفعل فى حاجة إلى ثورة، وهل النظام الحاكم للبلاد قد استنفذ بالفعل رصيده وبات استمراره يشكل خطرا يستدعى ضرورة الخروج لإجباره على الرحيل، وتلبية دعوات الاحتشاد بالميادين يوم 11/11 القادم، وهل يمتلك المصريون بالفعل قناعة حقيقية فى الدعوات، وثقة فيمن دعوا إليها تجعلهم يكررون ذات سيناريو يناير 2011 ويونيو 2013؟
أؤكد أن جميعها أسئلة خطيرة وهامة، فرضت نفسها وبقوة على الشارع المصرى خلال الأيام القليلة الماضية، ويرددها المصريين همسا ترقبا لما يحملة يوم الجمعة 11 نوفمبر القادم من مجهول لمستقبلهم ومستقبل بلادهم. ولآن الحديث في أمر التظاهر والاحتشاد ضد النظام لا يحتمل سوى رصد الواقع بحيادية، والقطع بحقيقة الأمور ووضعها فى نصابها الصحيح دون تجميل، فإن الواقع يقول أن مصر بالفعل فى أزمة اقتصادية حقيقية إنعكست آثارها على الجميع.
غير أن الإنصاف يحتم القول أيضا أن تلك الأزمة غير ناتجة عن فساد أو نهب للمال العام كما حدث في عهود ماضية، ولكنها ناتجة عن ظروف عالمية جديدة فرضت توابعها السلبية على العالم كله، سبقها جائحة عالمية تركت آثارها الاقتصادية السلبية على كل دول العالم، فى الوقت الذى كانت فيه مصر قد شرعت في تبنى برنامج إصلاح اقتصادي شاق بدأته منذ عام 2016 لإنقاذ البلاد من غرق اقتصادي ناتج عن تبعات التدهور الذى أصاب البلاد بعد أحداث يناير 2011 وما قبلها.
كما يحتم الواقع الاعتراف بأنه رغم الصعوبات التى صاحبت برنامج الإصلاح الاقتصادى، إلا أنه سار بالتوازى مع خطة تنمية طموحة أخذها النظام على عاتقه، وظهرت اثارها الايجابية وبشكل واضح على أغلب قطاعات الحياة في مصر خلال السنوات القليلة الماضية.
الاقتصاد مازال بخير
ولأننا هنا لا نبتغى غير الحقيقة، فإن ما حدث من إصلاح اقتصادي لا يمنع من الإعتراف أيضا بأن خطة التنمية قد شابها نوع من الطموح فاق الإمكانيات، وسوء إدارة جعل توجهات الخطة تركز على قطاعات أحدثت بها طفرات غير مسبوقة، وأهملت قطاعات تعد ركائز أساسية في النهوض بعمليات التنمية، وهو ما لا يستطيع منصف أن يطلق عليه فساد أو حتى شبهة فساد، بل سوء إدارة من الممكن تداركه، ولا يستدعى الخروج على النظام أو القيام بثورة.
ولأن من دعوا إلى الاحتشاد يوم 11 نوفمبر قد صبوا حديثم خلال الأيام القليلة الماضية بشكل أساسى على قضية الديون الخارجية للبلاد، فإن واقع الأرقام الفعلية يقول أن حجم الديون الخارجية المصرية قد وصلت فى مارس الماضى إلى 157.5 مليار دولار، بخلاف ما قد ترتب خلال الفترة من مارس حتى سبتمبر 2022 وقيمة قرض صندوق النقد الجديد الذي بلغ 9 مليارات دولار.
غير أن الواقع يقول أيضا أن العبرة اقتصاديا ليست بحجم الديون ولكن بالقدرة على الوفاء بالتزاماتها، وهو ما نجحت مصر في الوفاء به طوال السنوات الماضية مع كافة المؤسسات المالية الدولية، على الرغم من التأثيرات السلبية لجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية التى وضعت كبرى دول العالم في ورطة.
وحتى لا نقع في فخ الصورة السوداء التى حاول أصحاب دعوات الاحتشاد تصديرها عن قضية الديون، وتصدير واقع مغلوط أوحى للبعض بإتجاه مصر نحو الافلاس، فإن الأرقام تؤكد أن الاقتصاد المصري مازال بخير ويستطيع الوفاء بالتزاماته الخارجية، من خلال العائدات غير المسبوقة من النقد الأجنبي الوارد إلى البلاد.
وحتى لا نتهم بالانحياز أو التضليل، فإن بعضا من أرقام العملات الأجنبية الواردة للبلاد خلال العام الحالي تقول أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج حتى يوليو الماضى قد ارتفعت إلى 29.1 مليار دولار، كما قفزت عائدات الصادرات غير البترولية خلال النصف الأول من العام الحالي إلى 19 مليار، وارتفعت عائدات السياحة خلال ال 9 أشهر الأخيرة إلى نحو 8.2 مليار دولار، وقفزت عائدات قناة السويس إلى 5.1 مليار دولار، وإرتفع فائض الميزان التجاري البترولي لنحو 4.1 مليار دولار، وسجلت عائدات صادرات الأسمدة والكيماويات نحو 4.3 مليار دولار، وارتفاع عائدات صادرات مواد البناء إلى 3.7 ملياردولار، بخلاف موارد أخرى كثيرة.
الواقع وحقيقة الأرقام دون مجاملة تؤكد أن مصر تتقدم، وأن الاقتصاد المصري مازال بخير ويستطيع الصمود وتخطى الأزمة، وأن ما شاب خطة التنمية خلال السنوات الماضية من سوء إدارة أو إهمال قطاعات على حساب قطاعات أخرى يمكن تداركه، ولا يستدعى أن نعود بالبلاد بأيدينا إلى أجواء الانفلات الأمنى والسرقة والخراب الذى ساد بعد يناير 2011 ولاسيما وأن من دعوا للخروج وإسقاط مصر فى 11 نوفمبر جميعهم بلا مصداقية أو رصيد جماهيرى، وبات التحريض بالنسبة لهم سبوبة يتربحون منها على حساب استقرار أوطانهم.. وكفى.