رئيس التحرير
عصام كامل

المشير الجمسي بطل غير عادى!

لم يأت انتصار أكتوبر العظيم ضربة حظ  أو صدفة ولكنه جاء بالتخطيط العلمي السليم، جاء عندما تم اختيار الرجال الأكفاء للقيادة، جاء بدماء وعرق أبناء النيل السمر الشداد، بطلنا اليوم هو المشير محمد عبدالغني الجمسي، كان جادا لأقصى درجة، ربما من الصعوبة أن تجد له صورة مبتسما، حاسم، ويضاف إلى هذا أنه لا يتكلم كثيرا، وقد اتفق معظم العسكريين والمؤرخين على إنه كان الصامت النحيف، محمد عبدالغنى الجمسى، كان أحد أهم العقول التي خططت لتحقيق نصر أكتوبر العظيم.

 

"كان على قواتنا المسلحة أن تدخل حرب أكتوبر 1973 في ظروف عسكرية صعبة ومعقدة لهدم نظرية الأمن الإسرائيلى التى وضعتها إسرائيل كستار لتحقيق أهدافها التوسّعية وفرض الأمر الواقع على العرب، وكنا سندخل الحرب، بينما العدو له التفوق العسكرى، والوضع الطبيعى أن يكون المهاجم متفوقا على المدافع، لذلك كان من الضرورى إهدار التفوق العسكري في المرحلة الافتتاحية للحرب، وهى مرحلة الهجوم مع اقتحام قناة السويس".. هذه رؤية  المشير محمد عبدالغني الجمسي، وكان يؤكد أن العدو مستعدا للحرب لأن نظرية إسرائيل تقوم على أنه من أجل البقاء في المنطقة لابد أن يكونوا أقوى ومستعدين للحرب دائما.

 

ذكر المشير محمد عبد الغني الجمسي في مذكراته: بدأت هذه الفترة من تاريخ مصر والعرب بحرب أكتوبر 1973، التى هزت منطقة الشرق الأوسط هزًا عنيفًا، وقلبت الموازين السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة، وعلى أثرها حدث فض الاشتباك الأول على الجبهتين المصرية والسورية، ثم فض الاشتباك الثانى على الجبهة المصرية، وأعيد فتح قناة السويس للملاحة وألغيت معاهدة الصداقة المصرية- السوفيتية.

مباحثات الكيلو 101

 

ومن يتابع حياة المشير الجمسي بعد نصر أكتوبر العظيم، نجد إنها مليئة بالاشواك والمواقف الصعبة، فهو من قاد أول مباحثات بين مصر والكيان الصهيوني، المباحثات التى أطلق عليها مباحثات الكيلو 101 التى كان هدفها فض الاشتباك المصرى الإسرائيلي، ويروى الكاتب الكبير يوسف الشريف كمراسل عسكري – من أبناء روزاليوسف- والذى عاش في قلب الأحداث ثم فارقها في آخر مباحثات الكيلو 101 بين اللواء ـ أنذاك ـ عبدالغني الجمسي وقائد الأركان الإسرائيلي اليعازر، وتحت إشراف سلاسفو ممثلا للأمم المتحدة.

 

يقول: يومها أدركت إلى أي حد كان إنتصار قواتنا المسلحة مؤزرا ومؤثرا، عندما تقدم نحوي شاب يتحدث العربية باللهجة المصرية وقدم نفسه وقال أنه حفيد الموسيقار المصري اليهودي داود حسني ويعمل بقسم الأخبار في التليفزيون الاسرائيلي.. وكدت أن أعطيه ظهري وانصرف بعيدا، لكنه استدرك قائلا: هذه فرصة العرب لفرض السلام من مركز القوة، فما من بيت الآن ولا أسرة في اسرائيل إلا ونكبت في قتيل أو جريح!

 

هذه الملاحظة التى أشار إليها هذا اليهودى إلى الكاتب الكبير يوسف الشريف كانت إشارة قاطعة على أن حرب أكتوبر أوجعت كل بيت صهيوني، وأنها انتصارا لمصر بالرغم من محاولات العبث الإعلامي الصهيوني من ترويج عكس هذا، إلا الوجع الذي طال الصهاينة اعترفوا به رغما عن أنفهم.

 

ونعود إلى شهادة يوسف الشريف حيث يقول: كنت أراقب الخيمة التي تجري داخلها مباحثات الكيلو 101، ورأيت اللواء الجمسي عن بعد وهو يغادرها مرتين إلى الحمام الميداني، ودار بخلدي أن يكون قد ضاق ذرعا بمساومات الجانب الاسرائيلي، أو ربما كان مريضا بالسكر، فلما انتهت المباحثات وإختلى بالمراسلين العسكريين المصريين في خيمته الخاصة، لاحظت كم كان حزينا مكفهر الوجه وهو يفضي الينا بنتائج المباحثات وسألته بعدها بالحرف الواحد: هل تعتقد أن ما حصلنا عليه في المباحثات يساوي ما حققته قواتنا المسلحة من انتصارات على مسرح العمليات؟

 

وكأنني نكأت جرحا داميا، فقد لاحت الدموع في عينيه -أو هكذا خيل لي- وقال: دع الإجابة للتاريخ ومضت سنوات حتى أفضى في مذكراته بالحقيقة، وكيف كشف الرئيس السادات للادارة الأمريكية عبر كيسنجر عن خطته الخاصة وليست الخطة الموضوعة للحرب، من أننا نخوض معركة تحريك وليست معركة تحرير، وأننا لن نتجاوز في التقدم سوى بضع كيلومترات داخل سيناء..

 

 

بل وذكر الجمسي كم وألوان الضغوط النفسية التي تعرض لها حتى يوافق على رأى السادات بخطط ومراحل الفصل بين القوات، ولم يكن هناك ما يبرر مواقف السادات آنذاك، فاذا كانت ثغرة الدفرسوار هاجسه ومبعث مخاوفه، فاللواء سعد مأمون أول قائد للجيش الثاني في معركة أكتوبر الذي كلفته القيادة العامة بوضع خطة تصفية الثغرة، كان على أهبة الإستعداد لصدور قرارها بتنفيذ المهمة خلال 48 ساعة حينها بنهاية الأسطورة التليفزيونية التي صنعها الاعلام الاسرائيلي! الشىء المدهش أن الرئيس السادات في كتابه البحث عن الذات أشار إلى أنه لم يوافق على تصفية الثغرة حفاظا على أرواح الصهاينة لأنه لا يحب إراقة الدماء! وللحديث بقية مع البطل المشير محمد عبد الغني الجمسي.

الجريدة الرسمية