زي النهاردة.. مولد رفاعة الطهطاوي.. أحد أهم صناع النهضة الثقافية والعلمية في عصر محمد علي
في مثل هذا اليوم من عام 1801 وُلد رفاعة الطهطاوي، المفكِّر المصري، وأحد أهم وأبرز قادة النهضة العلمية في مصر خلال عهد محمد علي باشا.
عن نشأته ومولده
وُلد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 أكتوبر 1801، بمدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر، ويتصل نسبُه بالحسين السبط.
نشأ في عائلة من القضاة ورجال الدين، ولهذا لقي رفاعة عناية من أبيه، فحفظ القرآن الكريم، وبعد وفاة والده رجع إلى موطنه طهطا، ووجد من أخواله اهتمامًا كبيرًا حيث كانت زاخرة بالشيوخ والعلماء فحفظ على أيديهم المتون التي كانت متداولة في هذا العصر وكذلك الفقه والنحو.
التحق رفاعة وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817، وشملت دراسته الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف، وغير ذلك، وخدم بعدها إمامًا في الجيش النظامي الجديد عام 1824.
بعثة فرنسا
يبدأ التحول الكبير في سيرة رفاعة الطهطاوي مع سفرِه خارج مصر لأول مرة سنة 1826م إلى فرنسا ضمن بعثة عددها أربعين طالبًا أرسلها محمد علي باشا على متن السفينة الحربية الفرنسية (لاترويت) في 13 أبريل 1826 لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة، وكان عمره حينها 24 عامًا.
كان الشيخ حسن العطار وراء ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة إمامًا لها وواعظًا لطلابها، وكان بينهم 18 فقط من المتحدثين بالعربية، بينما كان البقية يتحدثون التركية، وذهب بصفته إمامًا للبعثة ولكنه إلى جانب كونه إمام الجيش اجتهد ودرس اللغة الفرنسية هناك وبدأ بممارسة العلم.
بعد خمس سنواتٍ حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".
عاد رفاعة لمصر سنة 1831 فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب، ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية.
وافتتح سنة 1251م مدرسة الترجمة، التي صارت فيما بعد مدرسة الألسن وعُيِّن مديرًا لها إلى جانب عمله مدرسًا بها، وفي هذه الفترة تجلى المشروع الثقافي الكبير لرفاعة الطهطاوي ووضع الأساس لحركة النهضة التي صارت في يومنا هذا.
وظل جهد رفاعة يتنامى بين ترجمةً وتخطيطًا وإشرافًا على التعليم والصحافة، فأنشأ أقسامًا متخصِّصة للترجمة في الرياضيات - الطبيعيات – الإنسانيات، الفلسفة، كما أنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية، وأصدر جريدة الوقائع المصرية بالعربية بدلًا من التركية، هذا إلى جانب عشرين كتابًا من ترجمته، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها.
الملاحقات بعد محمد علي
بيد أن هذه الشعلة سرعان ما خبت، مع تولِّى عباس باشا حكم مصر، فقد أغلق مدرسة الألسن وأوقف أعمال الترجمة وقصر توزيع الوقائع على كبار رجال الدولة من الأتراك، ونفى رفاعة إلى السودان سنة 1850م
توقف مشروع رفاعة النهضوى الكبير، بيد أن رفاعة واصل المشروع في منفاه، فترجم هناك مسرحية تليماك لـ فرانسوا فنلون، وجاهد للرجوع إلى الوطن وهو الأمرُ الذي تيسَّر بعد موت عباس باشا وولاية سعيد باشا، وكانت أربعة أعوام من النفي قد مرَّتْ.
عاد رفاعة بأنشط مما كان، فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس، وعاود عمله في الترجمة المعاصرة، ودفع مطبعة بولاق لنشر أمهات كتب التراث العربي.
قضى رفاعة فترةً حافلة أخرى من العمل الجامع بين الأصالة والمعاصرة، ويبدو أن هذا النشاط أقلق سعيد باشا، فأغلق المدارس وفصل رفاعة عن عمله سنة 1861.
مع تولى الخديوي إسماعيل الحكم بعد وفاة سعيد سنة 1863م عاود رفاعة العمل وقضى العقد الأخير من عمرِه الحافل في نشاط ضخط حيث أشرف مرة أخرى وأخيرة على مكاتب التعليم، ورأس إدارة الترجمة، وأصدر أول مجلة ثقافية في تاريخنا "روضة المدارس"، واستمر على نشاطه في خدمة البلاد حتى تُوفى عام 1873م عن عمر ناهز الاثنتين وسبعين سنة.