صناع الملحمة.. «فيتو» تحاور أبطال أكتوبر في بورسعيد.. "سعد" حوَّل الثغرة إلى جحيم.. و"سعودي" القناص المفتري
أكتوبر هذا العام مختلف تمامًا، بعد مرور 49 عامًا على الاحتفالات، اختارت «فيتو» أن تنتقل إلى أبطالها فى محافظاتهم ومنازلهم، خصوصًا الذين يسكنون فى محافظات القناة "الإسماعيلية – السويس – بورسعيد"، ولهم قصص مباشرة فى مقاومة العدو الإسرائيلى ترتبط بمكان الميلاد، هذه المحافظات التى واجه أهلها العدوَ الإسرائيلى وجهًا لوجه فى المعارك، وكل محافظة منها لها قصة فى الصمود والتحدى.
سعد مبارك: حولنا الثغرة إلى جحيم
* وفى بورسعيد كان لنا لقاء مع أحد أبطالها الذين شاركوا فى عمليات تصفية الثغرة.. نتعرف بالبطل؟
سعد مبارك سعد عمارة التحقت بالقوات المسلحة فى 23 أغسطس عام 67 كانت وقتها مصر شبه مكسورة بسبب النكسة، وكنت مثل باقى الشباب أحارب من أجل الالتحاق بصفوف القوات المسلحة لكى آخذ بالثأر الوطنى الذى تم الاعتداء عليه من عدو لا يعرف قيمة الوطن، وتم تجنيدى بسلاح المظلات.
* هل شاركت فى حرب الاستنزاف؟ حدثنا عن دور سلاح المظلات فى هذه الحرب؟
منذ دخولى السلاح كنا فى تدريبات شاقة لأن القفز بالمظلة فوق الهدف يحتاج مهارة ولياقة بدنية ويقظة لأننا نرتدى مظلتين، واحدة على الظهر، وهى تفتح بعد مسافة من الإنزال بالطائرة، أما الأخرى فهى مظلة احتياطية نحملها على البطن إذا لم تفتح الأولى نقوم بفتحها بنفسنا، ولكن هناك إصابات تحدث.
المهمة الأولى التى شاركت فيها كانت فى بداية عام 70 عندما أغار العدو الإسرائيلى بـ4 طائرات هليكوبتر، وفى حراستهم طائرات الفانتوم والسوخوى على منطقة البحر الأحمر ناحية الزعفرانة، وقاموا بالهجوم وعمليات إنزال وفكوا عدد 2 رادار، واستولوا عليهما على الفور، صدرت الأوامر لوحدتى بالتحرك بأسرع ما يمكن واللحاق بهم قبل مغادرة الزعفرانة، ولكننا تأخرنا فى الوصول، ولكننا كنا نقوم بالاشتباك مع القوات الإسرائيلية يوميا على امتداد ساحل البحر الأحمر، بعدها أرسلت لنا قوات من الجيش لحماية المنطقة والاشتباك مع العدو وكانت عين العدو الإسرائيلى وقتها على جزيرة شدوان، وصدرت الأوامر بعودتنا إلى مكاننا فى التدريب بالهايكستب.
كنا تحت قيادة العقيد عاطف منصف وأنا بالسرية الثالثة بقيادة النقيب عبد الرءوف حلمى، واستمرينا فى التدريبات القتالية لمدة كبيرة ومركزة وشاقة، ولا نعرف بما يدور فى الكواليس هل هناك حرب أم لا؟
* اروِ لنا الاستعداد للمعركة؟
كما قلت كانت التدريبات شاقة ولم نكن نعرف هل هناك حرب أم لا، ومن خطة الخداع الإستراتيجى أنه تم إنهاء خدمة تجنيدنا يوم 1 يوليو 73 والدفعة التى أطلقوا عليها دفعة صلاح الدين وبعد 20 يوما تم استدعاؤنا لتجربة سلاح جديد، وبدأت مرة أخرى التدريبات الشاقة لمدة أسبوعين ولكن هذه التدريبات لم تكن طبيعية مثل القفز من الأبراج فى الترع وركوب القوارب المطاطية والسير بها والتجديف السريع والعوم وطابور تطعيم المعركة، وبعد شهرين من هذه التدريبات الجديدة قالوا لنا سوف نقوم بعمل مشروع تدريبى كبير على مستوى القوات المسلحة بالكامل وكان دورنا بالكتيبة 85 فى هذا المشروع القفز بالمظلات خلف خطوط العدو لعدم تدخل احتياطاته ضد القوات التى ستعبر القناة والساتر التراب.
واستلمنا الشدة بالكامل ومظلات جديدة، وذهبنا إلى مطار القاهرة الدولى ومنها إلى مطار قنا بصعيد مصر، وكانت الأوامر أن نجلس بالشدة ولابسين المظلة فى وضع الاستعداد ننتظر الأوامر للقيام بالمشروع، وكانت المفاجأة بعد يومين من الانتظار بعبور قواتنا المسلحة قناة السويس وتحطيم الساتر الترابى واقتحام خط بارليف وتغير الحال على أرض المعركة ولدينا عزيمة للعبور مثل زملائنا الأبطال، وبعد أيام من المعركة صدرت لنا الأوامر بالتوجه إلى السويس وتحديدا جنيفة بعد ترك المظلات والاحتفاظ بالأسلحة الخفيفة، وقام بعض أفراد الكتيبة ومعنا النقيب عباس هيكل بالالتحاق بكتيبة استطلاع أمام منطقة الدفرسوار بعد أن قام العدو بعمل الثغرة تاركين الكتيبة فى السويس.
*حدثنا عن أيام القتال فى الثغرة، ودوركم تحديدا؟
كنا متحمسين جدا لقتال العدو بعد الانتصارات التى حققتها قواتنا المسلحة فى شرق القناة وتقدمها الكبير فى كل مرة يحاول العدو كسب أى قطعة أرض، وبدأت المعارك الحقيقية وجها لوجه مع قوات العدو الإسرائيلى بجميع الأسلحة واستمر القتال ليل نهار حتى نسينا أنفسنا لمدة أسبوع كامل بدون ماء أو طعام، حتى جاء لموقعنا الفريق سعد الدين الشاذلى هو والعميد بدوى سيد أحمد، وبعد زيارتهما لمعسكر الجلاء واستطلاع الثغرة وعدد القوات فيها على الأرض فقمت بإخباره أننا بدون ماء وطعام منذ أسبوع ونريد القضاء على القوات الموجودة بالثغرة فأمر بإحضار الماء والطعام فورا، وأمرنا بالقتال وعدم تقدم القوات الإسرائيلية، واحتلال شبر من مدينة الإسماعيلية، وقمنا بفتح حوار معه كيف يتم القضاء على الثغرة.
ومن أهم إنجازاتنا فى الثغرة قمنا بعمل استطلاع لقوات العدو ودهنَّا وجوهنا باللون الأسود والتوغل داخل قوات العدو الموجودة واستطعنا أسر 13 أسيرًا بينهم أسرى يهود، ولكن يحملون الجنسية الأمريكية، وعندما استجوبناهم قالوا إنهم هنا لا يعرفون ماذا يحدث فى أروقة السياسة، ولكن أوامرهم فقط بالقتال وتكبيد المصريين الخسائر الفادحة، وقمنا بتسليمهم إلى القيادة فى منطقة الجلاء، واستمرت الاشتباكات حتى وقف إطلاق النار ومباحثات الكيلو 101 ولكن أهم شيء أحب توضيحه أننا حاربنا فى الثغرة ليل نهار ولم نجعل العدو الإسرائيلى ينام لحظة لأننا كنا فى اشتباكات مستمرة معه لم نكن ننام إلا بعض لحظات ونحن نقف على اقدامنا، ولم نغير الأفرول.
عصمت محمد وتفاصيل السبت الحزين
شهدت محافظة بورسعيد أول معركة بعد جولة 5 يونيو بثلاثة أسابيع فقط عندما تصدت قوة صغيرة من الصاعقة المصرية للأرتال العسكرية الإسرائيلية فى معركة رأس العش، عندما حاول العدو الإسرائيلى الاستيلاء على منطقة بورفؤاد كآخر منطقة فى سيناء، ولكن أبناء الصاعقة لقنوهم درسا لم يخطر على بال قادة إسرائيل المتغطرسين ودمروا أحلامهم فى معركة رأس العش التى كانت أول معركة فى حرب الاستنزاف، وساهمت فى رفع الروح المعنوية لأبناء القوات المسلحة تحديدا فى 1 يوليو .67
ومن أبناء بورسعيد الذين شاركوا فى حرب أكتوبر والتصدى للعدو الإسرائيلى فى بورفؤاد المقاتل البطل عصمت محمد على إبراهيم أحد أبطال الكتبية 23 سند صاعقة أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة، وهو أحد أبناء بورسعيد الباسلة.
*كيف التحقت بصفوف القوات المسلحة؟
فى البداية تقدمت بأوراقى للتجنيد عام 1966، وتم إعفائى من الخدمة، واستلمت شهادة لم يصبه الدور، وبعد عام حدثت نكسة 5 يونيو 67 فقمت بالاشتراك فى فرق المقاومة الشعبية ببورفؤاد، وسلمونى بندقية آلية وذخيرة، وقاموا بتدريبى على كيفية استعمالها، وكارنيها من المقاومة الشعبية.
وفى نهاية 67 تم استدعاء كل مَن لم يصبه الدور للالتحاق بصفوف القوات المسلحة، وبعد اجتيازى الاختبارات واللياقة البدنية تم تجنيدي جنديًا بسلاح الصاعقة فى 5 أغسطس 67 والحمد لله بعد التدريب واجتياز اختبارات الثقة واللياقة البدنية تم إلحاقى على كتيبة 23 سند صاعقة.
*ما أهم العمليات التى شاركت بها خلال حرب الاستنزاف؟
أوائل عام 68 قامت القوات الجوية الإسرائيلية باختراق العمق المصرى، وضربت محولات الكهرباء بنجع حمادى، وأحدثت خسائر كبيرة فيها، مما تسبب فى انقطاع الكهرباء فصدرت الأوامر لكتيبتى 23 سند صاعقة بالتحرك بالطائرات الحربية إلى أسوان لحماية السد العالى وخزان أسوان ومحطة الكهرباء ومصنع كيما، حتى بداية 69 تم إسناد حماية الأماكن الحيوية للجيش الشعبى الذى تم تجميعه من أقدم المجندين وقتها، ثم عدنا نحن إلى أنشاص للبدء فى التدريبات الشاقة.
بعدما قامت إسرائيل ببناء خط بارليف بدأت بالقيام بعمليات عبور للضفة الغربية لقناة لسويس ومهاجمة المواقع الدفاعية ليلا فصدرت لنا التعليمات بالتحرك للقطاع الشمالى لقناة السويس تحديدا بمناطق رأس العش والكيلو 18 والتينة والكاب للدفاع عنها بعمل كمائن لقوات العدو بالضفة الشرقية وتكبيده أكبر الخسائر فى الأرواح والمعدات، وبدأنا بالعبور والضرب واصطياد الأسرى والعودة بهم للضفة الغربية فجن جنون العدو الإسرائيلى من عملياتنا المتلاحقة وبدأ يهاجمنا نهارا بإلقاء الطيران علينا قنابل الألف رطل والصواريخ الموجهة وليلا بالنابالم.
• اشتركت فى عملية «السبت الحزين»، احكِ لنا الدور الذى كلفت به؟
بدأت إسرائيل بكل خسة فى ضرب الأهداف المدنية، ومنها مدرسة بحر البقر فى صباح يوم8 أبريل عام 70 والذى راح ضحيته 30 طفلًا وإصابة 50 آخرين، فقررت القيادة رد الصاع صاعين والانتقام من العدو الإسرائيلى، وبدأنا فى عمليات الرصد على المنطقة من شمال القنطرة حتى رأس العش حيث كانت القوات المعادية منعزلة بين هذه المناطق، ولا يوجد فيها عمق للدفاع الإسرائيلى يحمى مواقعها.
وتوصلت نتائج الاستطلاع إلى أن قوافل إمدادات العدو تتحرك تحت حماية جوية متواصلة وتحرسها المدرعات والعربات المصفحة وفى عودتها تعود بجنود الإجازات، واستمرت عملية مراقبة تحركات العدو مع دراسة الأرض نهارا وليلا لعدة أيام وبدقة عالية، وفى نهاية مايو عام 70 قررت القيادة المصرية تنفيذ العملية اعتمادًا على عنصر المفاجأة، إذ تم رصد مجموعة إسرائيلية مكونة من 4 دبابات و4 عربات مدرعة يحرسون حافلتى ركاب إجازات لجنود العدو عند تحركها شمالا من القنطرة، وتم التخطيط للعملية المطلوبة بدقة من قبل القوات المشتركة فى العملية، حيث تم تحديد منطقتى شمال القنطرة على مسافة 30 كم وجنوب رأس العش تم تنفيذ العملية بنجاح بعمل اثنين كمين الأول فى رأس العش ونفذه لواء المشاة 135 بقطاع بورسعيد، وكان عددهم 21 فردا تم تدريبهم من أفراد الصاعقة واختيارهم من الكتبية 23 سند، وعددهم 21 الموجود آنذاك فى بورسعيد، وكنت من بين هؤلاء الأبطال، واشتركت معهم أنا وزميلى محمود عبد الله، وقمنا بالحصول على صيد سمين وهو أسر المجند الإسرائيلى ديفيد ليفى بنحاس وكان رقيب مظلات بالجيش الإسرائيلى.
وقمنا بأسره والسباحة به حتى الضفة الغربية تحت قصف المدفعية وطائرات العدو وتوصيله لقيادة القطاع الشمالى ببورسعيد بمنطقة الرسوة، حيث كانت تنتظرنا عربة جيب، أما الكمين الثانى تم تنفيذه بين منطقة التينة والكاب، ونفذته الكتبية 83 صاعقة بقيادة الضابط التميمى، وتم أسر إسرائيلى آخر.
وكانت عملية السبت الحزين هى السبب وراء طلب إسرائيل وقف إطلاق النار وقبول مصر باتفاقية روجرز حيث قال عنها سامى شرف إننى لم أرَ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يضحك عقب نكسة 5 يونيو 67 إلا يوم عملية السبت الحزين الذى جعل جولدا مائير وقيادات العدو الإسرائيلى يجن جنونهم بسبب التخطيط الجيد وعنصر المفاجأة التى قضت على أوهام العدو واستقراره فى الأراضى المصرية المغتصبة.
إبراهيم سعودي «القناص المفتري»
أما البورسعيدي الجدع فهو البطل المقاتل إبراهيم مسعد سعودي مواليد مدينة بورسعيد الباسلة فى 12 أغسطس 49 وأحد أبطال معركة أبو عطوة الشهيرة التى غيَّرت مجرى حرب أكتوبر، وأرغمت العدو الإسرائيلى على تغيير مساره وفشل فى احتلال مدينة الإسماعيلية.
فيقول: “تم تجنيدى فى أول مارس 1969 وقد عرفت أن عبقرية سلاح الصاعقة ظهرت فى مواجهته للإخطار دون خوف من جحافل العدو حيث كان المقاتل يواجه بجسده دبابة أو مدرعة ويتغلب عليها بفضل الإعداد الجيد الذى كان يتم فى مدرسة الصاعقة وتدريباتها التى كانت تستمر 13 ساعة يوميا تحت ضغط وسط شعارات تضحية فداء مجد”.
وأضاف أن عناصر الصاعقة كانت تقوم بعمليات خلف خطوط العدو فى مواقع الوديان والغابات فيتم إنزالنا من طائرات الهليكوبتر لتنفيذ المهام المتعددة بنجاح شديد.
وأكد "سعوي" أن من أهم العمليات التى قام بها وهو أحد عناصر الكتبية 133 صاعقة مواجهة تقدم القوات الإسرائيلية بقيادة شارون فى منطقة أبو عطوة وسط تعاون وتكاتف كل الأسلحة لإنهاء مؤامرة إسرائيل باكتساب أرض فى الإسماعيلية للتفاوض عليها.
ويروى سعودي: كنت أصطاد الإسرائيليين كالعصافير، حيث كان يلقبنى زملائى بـ«القناص المفتري»، وجاءت اللحظة التى انتظرناها طويلا للأخذ بالثأر من العدو الإسرائيلى وتلقينه الدرس الذى يستحقه، فكنت ضمن فصيلة القناصة بالكتيبة 133 صاعقة أبطال معركة عزبة أبو عطوة، واستطلعنا جميع مواقعهم داخل الجناين، وقمنا بالأخذ بالثأر، فدمرنا أحدث الدبابات والمجنزرات التى قامت أمريكا بإمداد إسرائيل بها فى الثغرة بقيادة شارون.
وتابع: بعد أسبوع من الاستطلاع والاشتباك مع الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية مع البطل العنيد والشرس الملازم آنذاك علمى سيد حسين قائد الفصيلة الأولى للكتيبة 133 رصدنا قناصا إسرائيليا يطلق رصاصاته على جنودنا ويختبئ، فأطقلت أول طلقة من بندقيتى فى رأس القناص الإسرائيلى وقتلته فى الحال، وتم ترقيتى لدرجة عريف، وقمنا بعمليات كثيرة داخل الجناين فى أبو عطوة يوم 19 و20 و21 و22 أكتوبر، والحمد لله استطاعت الكتيبة 133 صاعقة التصدى إلى القوات الإسرائيلية بقيادة شارون فى منطقة أبو عطوة على مشارف مدينة الإسماعيلية الباسلة، وحطمت أوهامه فى احتلال الإسماعيلية والوصول إلى القاهرة، والحمد لله كان لى الشرف بالحصول على نوط الشجاعة من الطبقة الأولى عام 1974.
نقلًا عن العدد الورقي…،