فضل قيام الليل في استجابة الدعاء
يُعَدّ قيام الليل من أجلّ العبادات، وأزكاها؛ لِما فيه من إخلاصٍ، وخشيةٍ لا تضاهيه فيها أيّ عبادةٍ أخرى، وعلى المسلم المُحِبّ لربّه، والذي يسعى إلى نَيْل رضاه، ونعمائه، أن يتحرّى على الدوام قيام الليل والناس نِيامٌ؛ ففيه ساعةٌ من أنفس الساعات عند الله -عزّ وجلّ-، فقد جاء في الحديث عن الصحابيّ الجليل جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ)، فالقيام في الليل، وخاصّةً في ثُلثه الأخير، أدعى لإجابةِ الدعوات، ومِمّا ورد في فَضْل ذلك ما جاء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ قال: (أقرَبُ ما يَكونُ الرَّبُّ منَ العبدِ في جوفِ اللَّيلِ الآخرِ، فإن استَطعتَ أن تَكونَ مِمَّن يذكرُ اللَّهَ في تلكَ السَّاعةِ فَكُن)، ففي الليل، يدعو العبدُ الله -عزّ وجلّ- بما يُحِبُّ ويتمنّى، كما هو الحال في الصَّلاة؛ إذ يجوز له فيها أن يطلبَ من ربّه -تعالى- ما يشاء؛ من قضاء حوائجه في الدُّنيا، والآخرة.
فضائل قيام الليل والدعاء
فَضْل قيام الليل قيام الليل عبادةٌ عظيمةٌ، وهي سُنّةٌ مُؤكَّدةٌ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد جاءت النُّصوص المُتواترة في الكتاب، والسُّنّة في بيانِ أفضليّتها، والحَضّ على أدائها، وبيان الأجر المُترتِّب على ذلك، علمًا أنّ من يُحافظُ على هذه الراتبة العظيمة، يكون عند الله -تعالى- بمنزلة أوليائه، وعباده المُصطَفين؛ فقد أثنى الله -تعالى- عليهم، ورَفَع قَدْرهم، إذ قال: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وجاء مديح الله -تعالى- لهذه الفئة المُؤمنة التقيّة، والثناء عليها في مواطن كثيرةٍ من كتابه العزيز؛ لِما يؤدّونه من أعمالٍ جليلةٍ، وصفاتٍ جميلةٍ، وأخصّها عبادة قيامُ االليل، فجاء قوله -تعالى-: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ*تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ومِمّا يُؤكّد عِظَم قَدْر هذه العبادة الخَفيّة، وأنّها من أسباب الفوز بالجِنان، ورضا الملك الرحمن، والنجاة من النيران، قولُ الله -تبارك وتعالى- في كتابه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).
وجاءت صفات المُتَّقين في كتاب الله -تعالى- في أكثر من موضعٍ يُشير إلى فَوزهم بجنّات النعيم؛ ففي سورة الذاريات قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)، ويتحقّق في صلاة الليل الثباتُ على الحَقّ، والإيمان، والتثبيت، والإعانة على أداء الأعمال، إلى جانب ما فيه من صلاح وإصلاح للعباد، والسَّعادة في الحال، والراحة في البال، وهذا من جليل فَضْلها؛ فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا*نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا*إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا*إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).
وقد وردت أحاديث كثيرة في بيان أهميّة هذه العبادة الليليّة، منها ما ثبت في الصحيحَين، كقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له)، وما ورد عن الصحابيّ الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ).