الكاتب رياض سيف النصر يروى حكاية فهيمة أول شهيدة فى حرب أكتوبر
في كتاب الهلال الذهبى وفى عدد خاص عن نصر أكتوبر المجيد في ذكراه الرابعة عام 1977 كتب الكاتب الصحفى رياض سيف النصر ـ رحل عام 2021 ـ مقالا يحكى فيه قصة فهيمة التي لقبت بفهيمة المجنونة اول مدنية وأول امراة شهيدة في حرب أكتوبر يقول الكاتب رياض سيف النصر:
أحببت مدينة السويس وكنت أزورها كثيرا، وذات يوما شاهدت مجموعة من الصبية الصغار وهم يتتبعون امرأة رثة الثياب منكوشة الشعر بقولهم " المجنونة أهيه " ومما أثار دهشتى وفضولى انه لم يتدخل احد من المارة الكبار لحمايتها والدفاع عنها ومنعهم عن إيذاء فهيمة وكأن بينهم وبين فهيمة ثأر قديم، ثم شاهدت عم عرفان اللبان يصر على تقديم طبق ارز باللبن لها كلما مرت امام محله ويقول لها "استفتاحك حليب يافهيمة "، أما البقال محمد عثمان فكان بمجرد ان يراها يغلق محله قائلا " اللهم اجعله خير " وكأن حية لدغته.
سر فهيمة عمران
شاهدت فهيمة في أحوال مختلفة مرة وكأنها تبدو بنت العشرين، ومرة وهى تتوكأ على عصاها وتبدو وكأنها بلغت الثمانين، وذات صباح سمعت حليمة بائعة الكشرى تقول ( لم يتحقق أمل فهيمة المجنونة ) فيرد عليها الزبون ( لقد كتبت عليها اللعنة ) فلم استطع ان أقاوم رغبتى الشديدة في معرفة سر فهيمة، وأى أمل الذى كانت تسعى لتحقيقه ولماذا عليها اللعنة ؟
كانت هناك سيدة يونانية عجوز قدمت الى السويس وافتتحت محلا للملابس النسائية وتقوم بعمل الخير بانها تحمل معها دائما حقيبة مليئة بالادوية التي تقدمها لكل مريض محتاج في السويس مجانا حتى اصبح الناس ينادونها ماما.
ذهبت الى ماما كوكونا ـ وهذا اسمها ـ مداعبا مدعيا مرض في عينى متظاهرا بالاحساس بالألم وبينما هي تضع القطرة في عينى سألتها عن حكاية فهيمة المجنونة دون جدوى، الا اننى حاولت استفزازها عندما قلت: أما آن الأوان لكى نقذف بهذه المرأة خارج المدينة، هنا تعصبت ماما كوكونا وقالت: ليه تقول عليها مجنونة ياخبيبى ؟ دى كانت أجمل بنت في السويس، من خمسين سنة جاءتنى فهيمة وكان جمالها رائعا ن وكانت معها شقيقتها لشراء ملابس منزلية وداخلية، ومن شدة جمالها ادركت الحكمة من خروج المرأة مرتدية العباءة الفضفاضة وتغطية وجوههن، ومن يومها لم يفارق خيالى جمال فهيمة بنت الشيخ عمران زبونة محلنا،
العجوز اليونانية
وتابع رياض سيف النصر: سكتت العجوز اليونانية وهمت بالوقوف وسكتت، لكن كلامها لم يشف غليلى، وفى اليوم التالى ذهبت لأحضر استعراضا لفصائل الدفاع الشعبى بالاستاد الرياضى وكانت ماما كوكونا المرأة الوحيدة التي اشتركت فيه، وقد ارتدت زى المتطوعات الأبيض ووضعت ايشاربا على رأسها فكانت أشبه بالعروس ليلة زفافها، وحضر المحافظ والمسئولين والجماهير تزداد تصفيقا تحية لماما كوكونا التي كانت واثقة سعيدة في طابور عرض المحتفى بهم، وفجأة سقطت على الأرض وقد فارقت الحياة ففقدت معرفة قصة فهيمة .
وذات يوم كنت اشترى بعض الخضر سمعت أم غريب بائعة الخضر تقول: ياناس انتم حاتجننونى زى ما جننتم فهيمة، سألتها ايه حكاية فهيمة ؟ قالت: حضر الى مدينتنا موظف غريب يعمل بالبلدية وكان خيرا في بدايته يزور المريض ويتقدم الجنازات ويحل خلافات الناس ويصلى بالمسجد، وكان الشيخ عمران والد فهيمة ممن وثقوا فيه وفتح له منزله على مصراعيه، ولم تمض شهور حتى اكتشف الشيخ عمران ان ابنته فهيمة حامل بعد ان استغل الموظف سذاجتها واستدرجها فوق السطوح وظهرت الفضيحة وأصيب عمران بالشلل وحاول اهل البلدة طردها ورفض والدها وقال: اتركوا الملعونة تعيش حتى تنال عقابها الذى تستحقه.
أول شهيدة
تدخل اهل الخير لاصلاح ماحدث بتزويجها من الموظف ن ومات الشيخ عمران ن واختفى بعدها الموظف الغريب بعد ان باع كل ماورثته فهيمة عن ابيها، افقدتها الصدمة وطار صوابها واخذت تجوب الشوارع تبحث عن شيء فقدته، وجاء يوم 6 أكتوبر 1973 وبينما تجوب فهيمة المجنونة الشوارع هائمة اصابتها دانة من دانات العدو فاستشهدت فهيمة عمران على الفور لتصبح اول شهيدة من المدنيين في حرب أكتوبر 73.