الحب.. معجزة الرسول (2 )
أحب الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا ملك عليهم قلوبهم، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "يَا رَسُولَ اللهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلاَّ مِنْ نَفْسِي"، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ. فَقَالَ لَه عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الآنَ يَا عُمَرُ" (رواه البخاري).
وسئل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ".. [الشفا للقاضي عياض].
حب الصحابة
وهذه امرأة من الأنصار مات أبوها وأخوها وزوجها وابنها في غزوة أحد، فتتجلد وتصبر وتتخطى هذه الطامة الكبرى في حياة أي امرأة، لتسأل عن الرسول صلى الله عليه وسلم! فتجاب بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامها بخير، فقالت كلمات تكتب بماء الذهب: “بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أُبَالِي إِذَا سَلِمْتَ مَنْ عَطِبَ”، [حلية الأولياء].
وهذا بلال بن رباح وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة نجد امرأته تندبه قائلة: واحزناه!! فقال رضي الله عنه قولته الشهيرة التي مزج فيها مرارة سكرات الموت بحلاوة الموت؛ لأنه السبيل لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم: "غدًا نلقى الأحبة؛ محمدًا وصحبه".
وكان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيَّر لونه يعرف الحزن في وجهه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما غيَّر لونك؟"، فقال: يا رسول الله، ما بي مرض ولا وجع، غير أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أني لا أراك، لأنك تُرفَع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69].
ورفض ربيعة بن كعب الأسلمي عروض الزواج التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه مخيرًا إياه لا لشيء إلا ليبقى إلى جواره يخدمه حتى إذا أصر النبي قَبِلَ ربيعة مضطرًا.. وحين قال له رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "يا ربيعة، سلني"، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أَوَ غَيْر ذلك؟"، قال: هو ذاك، قال: "يا ربيعة، أعِنِّي على نفسِك بكثرة السجود".
مواقف لا تنسي
وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ).
وكان عروة بن مسعود أحد الموفدين من قبل قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجع إليهم قال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - محمدًا.
وقال أحد الصحابة: وما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيَّ منه إجلالًا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عينيَّ منه.
وفي فتح مكة، حين جاء العباس، رضي الله عنه، بأبي سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كان عمر حريصًا على أخذ الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال العباس لعمر: مهلًا يا عمر فوالله لو كان من بني عدي ما قلت هذا. فقال عمر: مهلًا يا عباس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إسلام الخطاب لو أسلم.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف قبل معركة بدر، وبيده سهم، فلما وصل إلى سواد بن غزية، رآه بارزًا، فقال: "استو يا سواد"، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، فدعني أقتد منك، فيعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، السهم ويكشف له عن بطنه الشريف، فيعتنقه سواد ويقبله.. فيقول له: "ما حملك على هذا؟"، فيقول: يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك.. فدعا له صلى الله عليه وسلم، بخير.
وفي عمرة القضاء، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحرم محرمًا، والصحابة الكرام يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم، يسترونه من أهل مكة، خوفًا أن يرميه أحد منهم بسهم مؤثرين أن يصيب أيًا منهم من أن يصيبه صلى الله عليه وآله سلم.