غزوة الأجانب في الكرة المصرية.. 7 مدربين في "الممتاز".. 8 لاعبين لكل فريق.. وزارة الرياضة تكتفي بالفرجة.. والمنتخب أبرز الضحايا
بات من المؤكد أن تظهر مسابقة الدورى فى نسختها القادمة فى ثوب جديد «نيولوك»، خاصة بعد أن قامت سبعة أندية حتى الآن، بالاستعانة بمدربين أجانب على رأس الإدارة الفنية لفرقها فى المسابقة وهى، الأهلى الذى تعاقد مع السويسرى مارسيل كولر مديرا فنيا للفريق الأول، والزمالك الذى يقوده البرتغالى المخضرم جيسفالدو فيريرا من الموسم الماضى، إلى جانب بيراميدز تحت قيادة اليونانى تاكيس جونياس، وفاركو تحت قيادة البرتغالى نونو ألميدا وإنبي تحت قيادة البرازيلى جوزفان فييرا، ومؤخرا أعلن مسئولو الاتحاد السكندرى التعاقد مع الصربى زوران مانولوفيتش مديرا فنيا للفريق الأول، كما أعلن مسئولو غزل المحلة التعاقد مع القبرصى بابا فاسيليو مديرا فنيا لفريق الكرة فى الموسم الجديد.
غزوة الأجانب
الاستعانة بالمدربين الأجانب فى أندية الدورى الممتاز تبدو ظاهرة خطيرة تهدد مستقبل كرة القدم المصرية، لأنها تعد مؤشرا صريحا على انعدام الكفاءات التدريبية المصرية داخل القطر المصرى، وهو أمر غير حقيقى، والدليل على ذلك أن هناك أندية عدة داخل الدورى المصرى قدمت عروضا ونتائج رائعة تحت قيادة مدربين مصريين فى الموسم المنقضى أبرزها فريق طلائع الجيش الذى احتل المركز الرابع فى مسابقة الدورى وفريق فيوتشر تحت قيادة على ماهر الذى احتل المركز الخامس بنفس رصيد نقاط طلائع الجيش 56 نقطة، فيما فشل فريق الأهلى مثلا فى تحقيق أي بطولات فى الموسم المنقضى تحت قيادة البرتغالى ريكاردو سواريش، بصرف النظر عن الظروف الصعبة التى حضر خلالها الرجل.
ويبدو أن مسئولى الأندية المصرية قد نسوا أو تناسوا، أن أغلب الإنجازات والبطولات التى حققتها كرة القدم المصرية، خاصة على مستوى المنتخبات الوطنية، جاءت على أيد مصرية وتحت قيادة مدربين وطنيين، فالجنرال الراحل محمود الجوهرى قاد منتخب الفراعنة للفوز ببطولة أمم أفريقيا فى 1998 والتأهل لكأس العالم فى إيطاليا 1990 وقاد القطبين الأهلى والزمالك للفوز ببطولة دورى أبطال أفريقيا، أما حسن شحاتة فقد حقق إنجازا تاريخيا وهو الفوز بثلاث بطولات متتالية فى أمم أفريقيا وارتقى بالمنتخب الوطنى للمركز العاشر فى تصنيف الفيفا لأول مرة فى تاريخه فى 2010..
وهل نسى مسئولو أندية الدورى الممتاز، أن الميدالية الوحيدة العالمية فى تاريخ كرة القدم المصرية تحققت على يد المدرب الوطنى شوقى غريب، الذى فاز مع منتخب الشباب بالميدالية البرونزية فى كأس العالم 2001 فى الأرجنتين، كما قاد المنتخب الأوليمبى للتتويج بأمم أفريقيا تحت 23 سنة فى 2019، وهو الفوز الذى أهله لأولمبياد طوكيو 2020 والتى حقق فيها المركز الثامن.
المثير للدهشة أن أندية الدورى تتهافت على التعاقد مع مدربين أجانب لتولى القيادة الفنية لفرقها فى المسابقة بالموسم الجديد، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تعيشها البلاد حاليًا متأثرة بتبعات جائحة كورونا وبعدها الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا والتى أثرت سلبا على الاقتصاديات الكبرى فى العالم، فما بالك بالاقتصاديات الناشئة مثل الاقتصاد المصرى.
أزمة الدولار
وفى الوقت الذى تتخذ فيه الدولة المصرية الكثير من الإجراءات من أجل توفير العملة الصعبة، من أجل الاستفادة منها فى استيراد السلع الإستراتيجية مثل القمح، نجد أندية الدورى الممتاز تهرول نحو التعاقد مع مدربين ولاعبين أجانب، يتحصلون على مرتباتهم من خزائن هذه الأندية بالدولار واليورو، وفى النهاية تجد هذه الأندية وبعد إهدار مئات الآلاف من الدولارات واليوروهات تتصارع من أجل الإفلات من الهبوط لدورى المظاليم، حيث يقتصر التتويج بالبطولات المحلية فى النهاية على ناديى الأهلى والزمالك، وتكتفى أندية أخرى مثل بيراميدز وفيوتشر وطلائع الجيش بالتواجد فى المربع الذهبى ويكون أقصى طموحاتها هو المشاركة فى بطولة الكونفدرالية الأفريقية.
وما يدعو للأسف أن ظاهرة المدربين الأجانب لم تقتصر على الأندية، بل إنها امتدت إلى اتحاد الكرة المصرى، وهو الذى يفترض أنه الجهة المسئولة عن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة وهى أجنبة الكرة المصرية، حيث فاجأنا مسئولوه بالتعاقد مع شلة خواجات لقيادة المنتخبين الأول والأولمبى، وخواجة ثالث يتولى رئاسة لجنة الحكام فى سابقة هى الأولى فى تاريخ الكرة المصرية، وجار البحث عن خواجة رابع يتولى منصب المدير الفنى للاتحاد.
اتحاد الكرة لم يكتف بهذه الكارثة بل زاد الطين بلة، وقرر مجلسه الإبقاء على قرار سابق يسمح لكل ناد فى الدورى الممتاز بالتعاقد مع خمسة لاعبين أجانب، وهو القرار الذى يقلص فرص اللاعبين المصريين فى المشاركة مع أنديتهم فى المنافسات المحلية، حيث تضم مسابقة الدورى الممتاز 90 لاعبا أجنبيا بواقع 5 لاعبين فى كل فريق من أندية الدورى الثمانية عشرة، يشاركون مع أنديتهم على حساب 90 لاعبا مصريًا، وهو الأمر الذى يدمر منتخباتنا الوطنية.
المنتخب الوطني
ولا يخفى على أحد، كم يعانى منتخبنا الوطنى الأول العجز فى بعض المراكز الأساسية بصفوفه منذ سنوات مضت، بسبب اعتماد الأندية المصرية على لاعبين أجانب فى هذه المراكز، وأبرزها مركز رأس الحربة، حيث عانى منتخب مصر تحت قيادة كارلوس كيروش فى بطولة كأس العرب بقطر بسبب عدم وجود مهاجم كفء يمكن الاعتماد عليه فى البطولة بسبب غياب مصطفى محمد المهاجم الأساسى للفراعنة بسبب احترافه فى الدورى التركى، فاضطر الخواجة إلى الاعتماد على محمد شريف ومروان حمدى ومهاجم الزمالك الصاعد أسامة فيصل، ولم يقدم ثلاثتهم المردود المنتظر خلال البطولة التى اكتفى الفراعنة فيها بالحصول على المركز الرابع
.
ولا يزال منتخب مصر حتى الآن يعانى غياب المهاجم الهداف فى مركز رأس الحربة، بسبب اعتماد جميع أندية الدورى الممتاز على مهاجمين أجانب فى هذا المركز، وجميعهم يشاركون فى التشكيل الأساسى على حساب اللاعبين المصريين وكانت النتيجة الحتمية اعتماد منتخب مصر على مهاجم وحيد هو مصطفى محمد المحترف فى الدورى الفرنسى، وغيابه لأى سبب يضع المدير الفنى للمنتخب الوطنى فى أزمة حقيقية فى مركز قلب الهجوم.
ورغم هذه الكوارث التى تنشأ عن القرارات العشوائية وغير المدروسة للمسئولين فى اتحاد الكرة المصرى، يخرج علينا مجلس الجبلاية مؤخرا بقرار أكثر خطورة على كرة القدم المصرية، ومستقبل المنتخبات الوطنية، وهو الموافقة على مقترح لرابطة الأندية المصرية، يسمح للأندية فى الموسم الجديد بالتعاقد مع ثلاثة لاعبين أجانب يتم قيدهم تحت السن، وكأن الإخفاقات الأخيرة لمنتخبى مواليد 2003 و2006، فى بطولتى كأس العرب للشباب والناشئين لم تشغل لهم بالًا، وهما الفريقان اللذان يمثلان مستقبل الكرة المصرية.
والعجب العجاب، أن يأتى اتحاد الكرة بهذه القرارات الخزعبلانية فى ظل أزمة طاحنة يمر بها الاقتصاد المصرى بسبب تراجع مخزون مصر من العملة الصعبة والوضع الاقتصادى لا يحتمل المزيد من الضغوط.
وزارة الرياضة
أما وزارة الرياضة فهى تقف موقف المتفرج ولا تبالى بهذه القرارات العشوائية التى تتسبب فى هدر موارد مصر الدولارية فى صفقات وتعاقدات لا طائل من ورائها، منتهجة سياسة «ودن من طين وودن من عجين»..
فى المقابل، لم نر اتحاد الكرة يتخذ أي قرارات من شأنها أن تلزم الأندية المصرية على فتح باب الاحتراف الخارجى أمام اللاعبين المصريين، أسوة بدول شمال أفريقيا مثل المغرب والجزائر وتونس، ومنتخبات أفريقيا السمراء التى تمتلئ منتخباتها الوطنية بعشرات بل مئات اللاعبين المحترفين فى الدوريات الأوروبية الكبرى، والذين يصنعون الفارق ويمنحون منتخباتهم التفوق الفنى على نظرائهم فى المنافسات القارية، خاصة بطولات الأمم الأفريقية والتصفيات المؤهلة لبطولة كأس العالم للكبار، وليست جماهير كرة القدم المصرية ببعيدة من صدمتين كبيرتين تلقتهما على يد المنتخب السنغالى، الذى نجح فى انتزاع بطولة أمم أفريقيا الأخيرة بالكاميرون من المنتخب المصرى، ثم انتزاع بطاقة التأهل لمونديال قطر 2022 بفضل لاعبيه المنتشرين فى أكبر أندية أوروبا بالمئات، فى حين يكتفى منتخبنا الوطنى صاحب الـ104 ملايين نسمة بوجود أقل من 10 محترفين فقط فى الدوريات الأوروبية بعضهم لا يشارك بصفة أساسية مع فريقه.
نقلًا عن العدد الورقي…،