حكاية الأغنية المفقودة في الفيلم.. 59 عامًا على عرض "زقاق المدق"
من أهم إبداعات نجيب محفوظ، رواية "زقاق المدق"، التي كتبها الأديب العالمي عام 1947، بعد الحرب العالمية الثانية بعامين، وتسرد حياة المصريين أثناء الاحتلال الإنجليزي في فترة الأربعينيات.. وطرحت الرواية التأثيرات السلبية على المصريين، والسلوك العام أثناء الحرب وبعدها.
وتحولت الرواية فيما بعد إلى فيلم يحمل الاسم نفسه، بطولة شادية ـ حميدة ـ وصلاح قابيل ـ عباس الحلو ـ، ويدور الفيلم، حول الفتاة اليتيمة الطامحة للثراء، تتم خطبتها لحلاق الزقاق، الذي يقرر السفر ليحصل على مال أكثر ليفي باحتياجات بيته وبعد سفره يقوم قواد محترف، بإغوائها، وبعد تورطها في حياتها الجديدة تنسى زوجها «الحلاق» وأهل الزقاق، لتجمعها الصدفة مرة أخرى فيقرر الانتقام.
الواقع المصري
ويرصد فيلم "زقاق المدق" ـ الذي عرض في مثل هذا اليوم عام 1963 ـ الواقعَ المصرى خلال الحرب العالمية الثانية من خلال عائلات فقيرة تسكن أزقة حى الحسين ومنهم حميدة المتمردة اليتيمة الممتلئة بالغرور والطموح معتمدة على جمالها.
وكتب السيناريو والحوار لفيلم زقاق المدق الكاتب سعد الدين وهبة وأخرجه حسن الإمام وقام ببطولته شادية، صلاح قابيل، يوسف شعبان، عقيلة راتب، سامية جمال، حسن يوسف، محمد رضا، توفيق الدقن، عبد الوارث عسر، ثريا حلمى، عبد المنعم إبراهيم.
اغانى الفيلم
وكان من المقرر ان يتضمن الفيلم اغنيتين بصوت شادية الأولى " نو ياجونى نو " من تلحين محمد الموجي وأغنية " بسبوسة" تلحين محمد عبد الوهاب ومع طول احداث الفيلم قرر حسن الامام الاستغناء عن اغنية منهما.
واقترحت شادية الاستغناء عن بسبوسة والإبقاء على لحن الموجي المتماشي مع أحداث الفيلم وغضب عبد الوهاب واعتبر ذلك انتصار للموجى عليه ووقعت القطيعة مع شادية وحبس اغنية بسبوسة في درج مكتبه عشر سنوات ممنوعة من الخروج إلى الإذاعة.
وصف الأديب نجيب محفوظ بطلة الفيلم بقوله: شادية جعلتني أشاهد حميدة على الشاشة لقد كنت أشعر بكل نبضة من نبضات حميدة متجسدة أمامي وشعرت لأول مرة أن الشخصية التي رسمتها على الورق نجحت في الخروج منه وأصبحت شخصية حقيقية تتحرك أمامي على الشاشة.
وأثيرت ضجة من النقاد السينمائيين ضد المخرج حسن الإمام، الذي جعل شخصية "حميدة" هي الشخصية المحورية في الفيلم متجاهلا باقي أحداث قصة زقاق المدق، وكذلك باقى شخصيات القصة الأصلية بالرغم من وجود شخصيات ثرية في الفيلم.
وحميدة تلك الفتاة اللعوب صارخة الأنوثة في "زقاق المدق" والتي تتطلع لحياة أرقى تنتشلها من الفقر المدقع، فتسعى إلى الإيقاع بالرجال في شباكها، إلى أن تحول جمالها إلى رأسمال اجتماعى تعطيه لمن يمنحها الذهب والمال، لتتحول في النهاية إلى " تيتى محظية" ترفه عن جنود الاحتلال البريطانى.
ورد نجيب محفوظ على هذ الاتهام فقال: السينما لها مقتضيات خاصة بها، هي لا تستطيع مثلًا ترجمة الكتاب ترجمة حرفية، لكن الضرورة السينمائية تحكم تحويل كتاب 600 صفحة إلى فيلم مدته ساعتين، وقد اطلعت على سيناريو الفيلم الذي كتبه سعد الدين وهبة، وأعجبنى وكان متكاملًا ومعبرا عن الرواية، لكن عند التصوير فوجئوا أن الالتزام بالسيناريو مستحيل، ذلك لأن مدة الفيلم قد تصل إلى أربع ساعات، واختاروا طريقًا أسلم يجمع الأحداث هو شخصية حميدة التي قدمتها الفنانة شادية، بل كان مقترحا منهم أن يكون اسم الفيلم "حميدة لذلك أنصح مشاهد الفيلم أن يفصل نفسه تمامًا عن النص الأصلى للرواية الأدبية.
وأضاف: أود أن أقول إن شركات الإنتاج السينمائي مثلا في فرنسا تتعاقد على النصوص الأدبية لمدة سبع سنوات، وبعد انتهاء المدة يعود النص للمؤلف الأصلي، لكنهم خلال هذه السنوات يقدمون من النص الواحد أكثر من عمل سينمائي، وهذا يعني أن الرواية الواحدة يمكن أن تستغل سينمائيا بأكثر من وجه حسب رؤية وتفسير كل مخرج للنص الأدبي، ويجب أن نحترم المخرج لأنه ليس مترجما..ولكنه مبدع وفنان وخالق.
وقال كاتب السيناريو سعد الدين وهبة: أعتبر زقاق المدق أحسن ما كتب نجيب محفوظ وهى بمثابة الأم للثلاثية وغيرها من رواياته، وأنا عندما كتبت السيناريو لم أحاول التضحية بأى شخصية في القصة، وقد ركزت على شخصية حميدة، ولم أغفل ما دونها حتى إنه عندما تم تصوير الفيلم وصل مدة عرضه 200 دقيقة فقام المخرج والمنتج بحذف 60 دقيقة كاملة حافظ فيها على دوري حميدة وعباس الحلو وحذف قصص الشخصيات الأخرى، وهاجم النقاد حسن الإمام ولو لم أكن أنا كاتب السيناريو الذي شوهه حسن الإمام لكنت هاجمته وهاجمت إخراجه للفيلم.