تحية كاريوكا الراقصة الوطنية.. ساعدت الفدائيين.. خبأت السادات.. واشتهرت بأخذ حقها بصفع الوجه
في مثل هذه الأيام رحلت عن عالمنا الفنانة والراقصة تحية كاريوكا، وتحديدًا في 20 سبتمبر من عام 1999، وقد ولدت فى 22 فبراير من عام 1915، بمحافظة الإسماعيلية.
البداية
اسمها الحقيقى “بدوية تحية محمد على النيدانى كريم”، وقد بدأت فى ممارسة الرقص والغناء والتمثيل وهى فى سن صغيرة كموهبة، وسافرت إلى القاهرة هربًا من تعذيب أخيها، وتعرفت على الراقصة سعاد محاسن، ثم ذهبت إلى بديعة مصابنى بعد سفر الراقصة سعاد محاسن إلى الشام، وحينها اكتشفتها الراقصة بديعة مصابنى وانضمت إلى فرقتها عام 1935، وبعد ذلك توجهت إلى السينما والمسرح بمساعدة سليمان نجيب الذى قام بمساعدتها وتنميتها فنيا وثقافيا وسياسيا.
ظلت تحية كاريوكا طوال مسيرتها الفنية مضرب المثل بالمواقف الوطنية والإنسانية العظيمة، ولم تحظَ راقصة بمثل هذه الشهرة.
"فيتو" تحتفل بذكرى “كاريوكا” تذكير ببعض هذه المواقف الوطنية التي رافقت اسمها وخلدته حتى الآن.
جريئة تعشق المواجهة، إذا فكرت فى الشيء وأرادته فإن هذا يعنى بالضرورة تحقيقه.. هكذا كانت تحية كاريوكا، دائما ما تبادر وتشارك فى القضايا العامة عرفت بأنها أيقونة الرقص الشرقى، وصاحبة الأداء المبهر فى التمثيل، تمكنت من تحقيق المعادلة الصعبة، فلديها إمكانات الأنوثة الطاغية، وتصرفات الرجل الذى لا يخشى فى الحق لومة لائم، لها مواقف وطنية لا تحصى إنها الراحلة «تحية كاريوكا.. ست وطنية بـ1000 راجل».
مساعدة الفدائيين
ظهر ذلك عند تحية كاريوكا عام 1948 حين ساعدت الفدائيين فى منطقة القناة أثناء الأعمال الفدائية قبل ثورة يوليو 1952 بعد أن أصبحت الإسماعيلية مأوى ومركزا لأسلحة الإنجليز فى فايد وأبو صير وأبو سلطان، ولأن تحية كاريوكا يجهل الكثيرون تاريخها السياسى استغلت دخولها الإسماعيلية –كونها إحدى بناتها- فى نقل الأسلحة فى سيارتها الخاصة للفدائيين.
أيضا خبأت «كاريوكا» أنور السادات وقت أن كان ضابطا فى الجيش فى مزرعة شقيقتها مريم لمدة عامين كاملين، وهو يعمل مزارعا فى المزرعة هربا من العيون، بعد أن هرّبته فى سيارتها إلى منزل شقيقتها بعد هروبه من مطاردة الشرطة بعد اتهامه فى حادث مقتل أمين عثمان وزير المالية، والطريف أن أنور السادات بعد توليه رئاسة الجمهورية بعد رحيل عبد الناصر قال لها وهو يكرمها عام 1978 فى عيد الفن: «فاكرة يا تحية لما كنت أعمل فى مزرعة شقيقتك، لكنها ردت عليه قائلة: لا يا ريس دا أنت كنت هربان، وأنا اللى هربتك فى سيارتى، فضحك السادات ضحكته الشهيرة من جرأتها فى الرد، قائلا: كنت جدعة يا تحية».
حين تزوجت مصطفى كمال صدقى، أحد أفراد الحرس الحديدى للملك فاروق، اتهمت كاريوكا بحيازة منشورات مضادة لثورة الضباط الأحرار، كانت قد قامت بتوزيع جزء كبير منها، لكن أقر زوجها بأنه خبأها فى منزلها دون علمها فأفرج عنها.
حركة حدتو
وكانت تحية كاريوكا، عضوا نشطا فى حركة «حدتو» الشيوعية، كما تمردت على إداراة السجن فى فترة اعتقالها، والتى وصلت إلى مائة يوم، حيث قادت مظاهرة تطالب إدارة السجن، بوقف عمليات التعذيب ضد بعض السجينات، وتخفيف الخدمة الشاقة ضد بعضهم الآخر.
حين رفض الغرب تسليح مصر عام 1955 خرجت فى مقدمة الفنانين تطوف الشوارع تجمع التبرعات فى أسبوع «تسليح الجيش» للمساهمة فى صفقة أسلحة من المعسكر الشرقى كما قدمت تحية وأم كلثوم أكبر تبرعات الفنانين، وقدمت تحية مجوهراتها من أجل تسليح الجيش المصرى، وشكرها عبد الناصر، وقال لها كلمته الشهيرة «أنت بألف راجل يا تحية" فردت عليه": كله من خير مصر يا ريس.
وعند خروج قانون النقابات الفنية (103) الذى يعطى النقيب حق الاستمرار مدى الحياة، كانت كاريوكا قد امتد بها العمر، ولم تعد تقوى وتتحمل، ورغم ذلك اعتصمت وأضربت عن الطعام لمدة خمسة أيام، وكانت النتيجة دخولها المستشفى لإصابتها بهبوط حاد قى القلب وتصلب الشرايين، واستعان المخرج يوسف شاهين بمشهد إضرابها فى فيلمه «حدوتة مصرية»..
وحين انضم الصحفى صلاح حافظ لتنظيم سرى يسارى يعمل على تصحيح مسار الثورة وأثناء أحد الاجتماعات حضرها محمود أمين العالم وصلاح حافظ وشريف حتاتة وصلت إخبارية أمنية أن السلطات تبحث عن صلاح حافظ للقبض عليه، فعرضت تحية كاريوكا على صلاح وكان صديقا للعائلة أن يختبئ فى بيتها وقت أن كانت تعيش مع والدتها، وبالفعل قضى صلاح فى بيتها ثلاثة أيام خرج بعدها ووقع فى غرامها إعجابا بشجاعتها وشهامتها حتى أنه سمى ابنته «تحية» على اسم تحية كاريوكا، وهى ابنته الممثلة تحية حافظ.
رفضت الرقص فى بيروت أمام مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك، لأنه أهان السفير المصرى أمامها.
وحين سافرت إلى الكويت لعرض مسرحية «روبابيكيا» من بطولتها مع فايز حلاوة، عرض عليها المسئولون هناك مد فترة الإقامة لعرض مسرحيتين لفرقتها هما (البغل فى الإبريق، ليس ولدي) لكنها رفضت قائلة: إنها مسرحيات تنتقد الأوضاع فى مصر، لذا يجب أن تعرض فى مصر فقط، لأننا لا يجب أن ننشر غسيلنا إلا فى بلدنا.
أسلحة كاريوكا
اشتهرت الراقصة تحية كاريوكا بأنها دائما ما تأخذ حقها بيديها، ولا تنتظر من يأخذه لها، وكانت تأخذ هذا الحق بالصفع على الوجه أو توجيه اللكمات.
تحية كاريوكا كانت تسعى دائما إلى التميز، لكنها كانت تثور بسرعة، ولها تعبير ضاحك دائما، فكانت تقول: «جزمتى بتنقح علىَّ»، فهى إذا غضبت تخلع حذاءها بالكعب العالى وتنزل فوق رأس أي شخص، ولا يهمها.
وكما كتب عنها الناقد عبد الله أحمد عبد الله الشهير بميكى ماوس: إن تحية كاريوكا لها ثلاثة أسلحة: لسانها، ويدها اليمنى، وحذاؤها، والأحداث شاهدة على ذلك.
وكانت أولى هذه الضربات حين صفعت الأمير عطا حسين ابن الأميرة عين الحياة أحد أمراء الأسرة العلوية على وجهه حين حاول جذبها من يدها لتجلس معه على منضدته بعد وصلة رقص شرقى قدمتها فى كازينو بديعة بحضور الأمير عباس حليم، جذبها الأمير عطا وقال لها: «تعالى هنا يا بت»، فقالت له:" البت دى أمك"، وصفعته على وجهه، ولم ينقذ الموقف سوى الأمير عباس حليم الذى قدم الاعتذار لها.
المرة الثانية حين اشتركت تحية بفيلم «شباب امرأة» فى مهرجان كان السينمائى وأثار الفيلم ضجة كبرى لدرجة استفزت الصهاينة فى كان، مما جعل الممثلة سوزان هيوارت تتهجم على الوفد المصرى وتسب تحية كاريوكا التى كانت ترتدى الملاية اللف، فما كان من تحية إلا أن اشتبكت معها ورفعت عليها حذاءها، وحينما علم النجم الأمريكى دانى كاى بذلك حاول أن يرد إهانة تحية، ولكن الأخيرة ضربته بـ»الشبشب».
ضربت عضو الكونجرس الأمريكى، فذات مرة كانت فى إحدى السهرات، أمسك أحد الأمريكان بيد الفنانة الراحلة فاتن حمامة لترقص معه، وكان فى حالة سكر تامة ورفضت هى، فأصر على ذلك، فغضبت الفنانة تحية كاريوكا من رؤية هذا الموقف، فما كان منها إلا أن سحبته من يديه وضربته بكعب حذائها.
وحيث إن الكاتب الصحفى جليل البندارى، كان من هواة نقد وتجريح الفنانين وكان الجميع يخشونه، حيث كانت أم كلثوم نفسها تصفه بأنه «جليل الأدب بندارى عليه» حين كان يهاجمها، وعندما هاجم هذا الكاتب الصحفى كاريوكا، رفضت التصالح معه وجرت خلفه داخل ستوديو مصر، ففر إلى سيارته، فقامت بقيادة سيارتها والسير خلفه فى مطاردة، وأخذ علقة موت منها.
ضربت الراقصة تحية المطربة فايزة أحمد عندما كانت تريد أن تقدم أغنيتها قبل أن ترقص تحية، ودخلت الاثنتان فى مناقشة، ووقعت مشادة كلامية انتهت إلى ضرب تحية لفايزة بالقلم على وجهها. أيضا ضربت ملكة الرقص الشرقى الفنان سعيد صالح على مرأى من الجميع عندما حاول أن يضع يده على كتفها أثناء تصوير أحد الأفلام، إلا أنها اكتشفت حسن نيته، وبكت ثم اعتذرت له.
نقلًا عن العدد الورقي…