عمر المختار.. 9 عقود علي إعدام أشهر المقاومين العرب
شيخ الشهداء، شيخ المجاهدين، أسد الصحراء.. كلها ألقاب للمناضل الليبي الشهير عمر بن مختار بن عمر المنفى الهلالى، الشهير بعمر المختار والذي تمر اليوم الجمعة الـذكرى 91 لإعدامه في 16 سبتمبر 1931. يعتبر عمر المختار من أشهر المقاومين العرب حيث حارب قوات الغزو الإيطالية منذ دخولها أراضى ليبيا عام 1911، وهو يبلغ من العمر 53 عاما، وقضى حياته في المعارك، بعد القبض عليه وإجراء محاكمة صورية له، صدر الحكم بإعدامه قال: «سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن حياتى ستكون أطول من حياة شانقى».. وتوفي وهو يبلغ من العمر 73 عاما.
مولده ونشأته
ولد عمر المختار يوم 20 أغسطس عام 1861 م في قرية جنزور الشرقية منطقة بئر الأشهب شرق طبرق في بادية البطنان في الجهات الشرقية من ليبيا. يعود نسبه إلى قريش، توفي والده في رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج، وكانت بصحبته زوجته عائشة، فاوصى وهو في حالة المرض إلى رفيقه السيد أحمد الغرياني (شقيق شيخ زاوية جنزور الواقعة شرق طبرق) بأن يبلغ شقيقه بأنه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد، وتولى الشيخ حسين الغرياني رعايتهما محققًا رغبة والدهما، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء الإخوان والقبائل الأخرى.
تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور على يد إمام الزاوية الشيخ العلامه عبد القادر بوديه العكرمي أحد مشايخ الحركة السنوسية، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها 8 أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام محمد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
اختاره السيد المهدي السنوسي رفيقا له إلى السودان الأوسط (تشاد) عند انتقال قيادة الزاوية السنوسية إليها فسافر سنة 1317 هـ. وقد شارك عمر المختار فترة بقائه بتشاد في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية (السودان الغربي، تشاد) وحول واداي.
قتال إيطاليا
في عام 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وبدأت نزول قواتها بمدينة بنغازى الساحلية، وكان عمر المختار في ذلك الوقت، في مدينة الكفرة في قلب الصحراء، وعلم بنزول الإيطاليين، عاد إلى زاوية القصر لتجنيد الأهالي لمقاومة الجيش الإيطالى، ونجح في جمع 10 آلاف مقاتل معه، كما جمع مقاتلين من مدن أخرى.
وشهدت هذه الفترة أعنف مراحل الصراع ضد الطليان، وتركزت هجمات المختار على منطقة درنة، حيث نشبت معركة كبيرة استمرت لمدة يومين، انتهت بمقتل نحو 70 جنديا إيطاليا وإصابة نحو 400 آخرين. وكان المختار يتنقل أثناء غارته بين مناطق القتال، وكان يتواصل مع القبائل، من أجل توحيد الصفوف، وسد الثغرات أمام العدو.
معلم قرآن ومجاهد
وجد عمر المختار نفسه قد تحول من معلم للقرآن إلى مجاهد يقاتل لدفع الاحتلال، واكتسب عمر المختار خبرة كبيرة في تكتيكات الحروب الصحراوية، أثناء قتاله الفرنسيين، وكان له معرفة سابقة بجغرافيا الصحراء، فاستغل هذه المعرفة، ليحصل دائما على الأفضلية في مواجهة الجنود الإيطاليين، غير العارفين بحروب الصحراء.
أجرى عمر المختار حملات ضد الكتائب العسكرية الإيطالية، ليوجه لهم ضربات موجعة ثم ينسحب بسرعة إلى قلب الصحراء، وقطع طرق المواصلات والإمدادات على الجيش الإيطالى، حتى أصيب قادة العدو بالذهول، وأحرج الجيش الإيطالى أكثر من مرة، نظرا لعجزه عن صد حركة الثوار البدو غير المدربين عسكريا.
الفاشية وحصار المجاهدين
بعد الانقلاب الفاشي في إيطالي في أكتوبر 1922، وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه إيطاليا. تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي، مما اضطره إلى ترك البلاد عاهدًا بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار في الوقت الذي قام أخاه الرضا مقامه في الإشراف على الشئون الدينية.
بعد أن تأكد ل عمر المختار النوايا الإيطالية في العدوان قصد مصر عام 1923م للتشاور مع السيد إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد، وبعد عودته نظم أدوار المجاهدين. ولكن بعد الغزو الإيطالي على مدينة أجدابيا مقر القيادة الليبية، أصبحت كل المواثيق والمعاهدات لاغية، وانسحب المجاهدون من المدينة وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدة نحو الجبل الأخضر، وفي تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار والانضواء تحت قيادة عمر المختار، كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح، وعندما ضاق الإيطاليون ذرعا من الهزيمة على يد المجاهدين، أرادوا أن يمنعوا عنهم طريق الإمداد فسعوا إلى احتلال الجنوب ووجهت إليها حملة كبيرة في 8 فبراير 1926م، وقد شكل سقوطها أعباء ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار، ولكن الرجل حمل العبء كاملًا بعزم العظماء وتصميم الأبطال.
ولاحظ الإيطاليون أن الموقف يملي عليهم الاستيلاء على منطقة فزان لقطع الإمدادات على المجاهدين، فخرجت حملة في يناير 1928م، ولم تحقق غرضها في احتلال فزان بعد أن دفعت الثمن غاليًا.
ورغم حصار المجاهدين وانقطاعهم عن مراكز تموينهم، فإن الأحداث لم تنل منهم وتثبط من عزمهم، والدليل على ذلك معركة يوم 22 أبريل التي استمرت يومين كاملين، انتصر فيها المجاهدون وغنموا عتادًا كثيرًا.
السفاح يتدخل
دفعت مواقف عمر المختار ومنجزاته إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد وتوصلت إلى تعيين الجنرال رودولفو جراتسياني قائدا للحملة العسكرية الإيطالية على ليبيا، وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية، ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها وقد تمثلت في عدة إجراءات ذكرها جرسياني في كتابه "برقة المهدأة":
انتهت عمليات الإيطاليين في فزان باحتلال مرزق وغات في شهري يناير وفبراير 1930م ثم عمدوا إلى الإشباك مع المجاهدين في معارك فاصلة، وفي 26 أغسطس 1930م ألقت الطائرات الإيطالية نحو نصف طن من القنابل على الجوف والتاج، وفي نوفمبر اتفق بادوليو وجرسياني على خط الحملة من أجدابيا إلى جالو إلى بئر زيجن إلى الجوف، وفي 28 يناير 1931م سقطت الكفرة في أيدي الغزاة، وكان لسقوط الكفرة آثار كبيرة على حركة الجهاد والمقاومة.
أسر عمر المختار
في معركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الطليان وأوصلها لقيادته، قال جراتسياني: "الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يومًا ما".
وفي 11 سبتمبر من عام 1931م توجه عمر المختار بصحبة عدد صغير من رفاقه، لزيارة ضريح الصحابى الجليل «رويفع بن ثابت» بمدينة البيضاء وكان أن شاهدتهم وحدة استطلاع إيطالية، وأبلغت حامية قرية «اسلنطة» التي أبرقت إلى قيادة الجبل باللاسلكى، فحرّكت فصائل من الليبيين والإرتريين لمطاردتهم وإثر اشتباك في أحد الوديان قرب عين اللفو، جرح حصان عمر المختار فسقط إلى الأرض وتعرّف عليه في الحال أحد الجنود المرتزقة الليبيين وبعد أن التقطت الصور مع البطل الأسير، نقل عمر المختار إلى مبنى بلدية سوسة.
ومن هناك على ظهر سفينة بحرية إلى سجن بنغازى، حيث أودع السجن الكبير بمنطقة سيدي «اخريبيش» ولم يستطع الطليان نقل الشيخ برًا لخوفهم من تعرض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم، كان لاعتقال عمر المختار، صدى كبير، حتى أن جراسياني الذي كان وقتها في روما لم يصدق ذلك في بادئ الأمر.
محاكمة صورية
عقدت للشيخ الشهيد محكمة صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديدًا صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقًا حتى الموت، عندما ترجم له الحكم، قال الشيخ "إن الحكم إلا لله، لا حكمكم المزيف، إنا لله وإنا إليه راجعون".
إعدام المختار
في صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 1931 الأول من شهر جمادى الأول من عام 1350 هـ، اتخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأحضر 20 ألفًا من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.
وأحضر الشيخ عمر المختار مكبل الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم، في تمام الساعة التاسعة صباحًا سلم الشيخ إلى الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشارًا بالشهادة وكله ثبات وهدوء، فوضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه إنه كان يؤذن في صوت خافت أذان الصلاة، والبعض قال إنه تمتم بالآية الكريمة "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي" ليجعلها مسك ختام حياته البطولية.
تهديدات إيطالية
وسبق إعدام الشيخ أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند تنفيذ الإعدام، لكن امرأة ليبية حرة اسمها "فاطمة داروها العبارية" أطلقت الزغاريد وندبت فجيعة الوطن عندما شنق عمر المختار، وقد وصفها الطليان "بالمرأة التي كسرت جدار الصمت".