زي النهاردة.. الجيش الإيطالي يلقي القبض على عمر المختار
في مثل هذا اليوم من عام 1931 ألقي الإيطاليون القبض على المجاهد الليبي عمر المختار وهو مصاب ينزف دمًا، حيث كان بصحبة عدد صغير من رفاقه لزيارة ضريح الصحابي رويفع بن ثابت بمدينة البيضاء وشاهدتهم وحدة استطلاع إيطاليَّة، ودارت اشتباكات أُسر في نهايتها عمر المختار من قبل الجيش الإيطالي.
عن عمر المختار
وُلد في البطنان ببرقة بالجبل الأخضر عام 1862، وقيل عام 1858، وكفله أبوه وعني بتربيته تربيةً إسلاميَّة مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية القائمة على القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة.
ولم يُعايش عمر المختار والده طويلًا؛ إذ توفي وهو في طريقه إلى مدينة مكَّة المكرمة لأداء فريضة الحج، فعهد وهو في حالة المرض إلى رفيقه أحمد الغرياني بأن يُبلّغ شقيقه أنَّه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد.
وبعد عودة أحمد الغرياني من الحج، توجه فورًا إلى شقيقه الشيخ حسين وأخبره بما حصل وبرغبة مختار بن عمر أن يتولّى شئون ولديه، فوافق من غير تردد، وتولّى رعايتهما محققًا رغبة والدهما، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء الإخوان والقبائل الأخرى.
حصد عمر المختار انتباه شيوخه في صباه، بسبب تشجّيعه للناس قراءة القرآن الكريم كما أظهر ذكاءً واضحًا، مما جعل شيوخه يهتمون به في معهد الجغبوب الذي كان منارة للعلم وملتقى للعلماء والفقهاء والأدباء والمربين، ومكث عمر المختار في معهد الجغبوب ثمانية أعوام ينهل من العلوم الشرعية المتنوعة كالفقه والحديث والتفسير.
عيَّنه المهدي السنوسي ـ والد الملك الليبي محمد إدريس السنوسي ـ شيخًا لبلدة تسمى زاوية القصور تقع بمنطقة الجبل الأخضر شمال شرق برقة، والتي تقع قريبًا من مدينة المرج، وأحسن عمر المختار الأداء في هذا المنصب، رغم أن البلدة التي كُلِّف بإدارتها كانت تقطنها قبيلة العبيد التي اشتهرت بشدة البأس وصعوبة الانقياد.
وقد أدَّت علاقته الوثيقة بالسنوسيّين إلى اكتسابه لقب سيدي عمر الذي لم يكن يحظى به إلا شيوخ السنوسية المعروفين، وعندما بدأ الاحتلال الفرنسي لتشاد في عام 1900 ناصب الفرنسيون الحركة السنوسية العداء وأخذوا يحاربونها، فجيَّشت الحركة نفسها ضد الفرنسيين بدورها، وكان عمر المختار ممَّن اختيروا لقيادة كتائب الحركة ضدَّهم.
تُوفي محمد المهدي السنوسي في عام 1902 واستدعته القيادة السنوسية من تشاد وعُيِّن مجددًا وللمرة الثانية شيخًا لبلدة زاوية القصور، وقد ظلَّ عمر المختار في هذا المنصب مدَّة ثماني سنوات، حتى عام 1911.
قاتل خلال هذه الفترة جيوش الانتداب البريطاني على الحدود المصرية الليبية، في مناطق البردية والسلوم ومساعد، خصوصًا معركة السلوم في عام 1908 التي انتهت بوقوع بلدة السلوم في أيدي البريطانيّين.
بعد إعلان إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية وجد عمر المُختار نفسه قد تحوَّل من مُعلّم للقرآن الكريم إلى مُجاهد يُقاتل في سبيل دينه وبلاده لدفع الاحتلال عنها.
كان المختار قد اكتسب خبرة كبيرة في أساليب وتكتيكات الحروب الصحراويَّة أثناء قتاله الفرنسيين في تشاد، وكان له معرفة سابقة بجغرافيَّة الصحراء وبدروبها ومسالكها وكل ما يتعلَّق بها، فاستغل هذه المعرفة وتلك الخبرة ليحصل على الأفضليَّة دومًا عند مجابهته الجنود الإيطاليين غير العارفين بحروب الصحراء وغير المعتادين على قيظها وجفافها.
أخذ المختار يقود رجاله في حملاتٍ سريعة على الكتائب العسكرية الإيطاليَّة، فيضربوهم ضرباتٍ موجعة ثمَّ ينسحبون بسرعة إلى قلب الصحراء.
عمل المجاهدون الليبيّون على مهاجمة الثكنات العسكريَّة الواقعة على أطراف الصحراء، وإيقاع الرتل وراء الرتل في كمين، وقطع طرق المواصلات والإمدادات على الجيش الإيطالي، وقد أصابت هذه الهجومات المسؤولين العسكريين الإيطاليين بالذهول؛ إذ أُحرجت الجيش الإيطالي أمام الرأي العام في بلاده بعد أن لم يتمكن من إخماد حركة بعض الثوَّار البدو غير المدربين عسكريًّا.
في عام 1922 عقد شيخ وقائد الحركة السنوسية إدريس السنوسي صلحًا مع إيطاليا، فغضب عمر المختار وباقي شيوخ القبائل وقادة الحركة عند علمهم بذلك، فقدَّموا إليه وثيقة يبايعونه فيها زعيمًا لهم، شريطة أن يكون ذلك للجهاد ضد الطليان فقط.
زعامة المختار والنهاية
لم يكن لدى إدريس خيار سوى قبول البيعة، إلا أنَّه شد الرحال إلى مصر في اليوم التالي مباشرةً مدعيًا المرض والحاجة للعلاج، وقد تبيَّن فيما بعد عند زيارة عمر المختار له هناك أنه كان بصحَّة جيدة.
لكن بعد رحيل إدريس ومع اندلاع الحرب مجددًا في المنطقة أصبحت مسؤولية القيادة كلها ملقاةً على عاتق عمر المختار، فأصبح هو زعيم الحركة الجهادية في منطقة الجبل الأخضر، وبات يجمع المال والسلاح ويحرِّض القبائل ويترأس الغارات والهجمات ضد الطليان في برقة واستمر كذلك حتى ألقي القبض عليه بعد أن دخل التاريخ من أوسع أبوابه.