التشاؤم.. وقود الفوضى القادمة
يبدو هرم الهم كبيرًا إلى حد التضخم، وتبدو قمم التشاؤم على نحو مغاير لكل ما تصورناه وما لا نتصوره.. تدور آلة البث المشيطن لكل ما هو على الأرض بشكل رهيب، وتسري بين العامة أحاديث السقوط كما لو كانت ماثلة أمام العيون، وشيئًا فشيئًا تتحول الأنباء المتراكمة بعضها فوق بعض إلى جبل من ثلج ينتظر لحظة التدحرج العبثية.
منهاج الهدم يسير في طريقه دون وقفة مع النفس لنتأمل ماذا يجرى! ومن يقود الحرب القادمة عبر احتياج الناس وجوع الناس وعوز الناس وضياع الأمل بين الناس. وكل الواقفين على المسرح يتلون نصًّا باهتًا في الرد على خطاب جرى التخطيط له بعناية فائقة بين عواصم عدة ومدن داخلية وقرى متشبعة بكل خصوبة تمد البذرة الواهنة لتصبح أشجارًا من العتمة المخيفة.
يبدو لي أن بعض الذين يقبضون على الأمور لا يدركون حجم الحراك الدفين منتظرًا لحظة عشوائية ليعم الأرض كيد الفوضى ومشاهد قد لا نراها إلا في أفلام العبث السياسية. لم تعد الصورة كما كانت عليه عندما بدأنا فصلًا من الجدال حول الأولويات، وأصبحت الأحاديث في اتجاه واحد تصب في صالح الفوضى التي قد يراها البعض أقرب من حبل الوريد.
صورة قاتمة
ليس بي سفاهة ولا ضلالة إن قلت إن سيل الأخبار المتواتر عبر السوشيال ميديا والواتس آب وتليجرام وكل الألوان الجديدة من وسائل الاتصال يمضي في طريق بلا هدف إلا من هدف واحد: «الهوجة» أو الفوضى، وكلاهما خراب. كطعم العلقم ما تتناوله يوميًّا من أنباء عن فاسدين وعن لصوص وعن مشروعات وهمية وعن إسراف وعن تبذير دون رد يشفي صدور المتلقين رغمًا عنهم كل هذه الأنباء.
وأندهش، لأن الذين يروون الحكايات لا يجدون رواة آخرين على نقيض قصصهم وأخبارهم، فإذا أطل علينا واحد ليرد الكيد أو يفند الزعم رضينا بالعدو رفضًا لمن أطل بوجه باهت أدركته الحوادث كذابًا أشر. ويزعجني أننا تركنا النار تتسلى بعقول الناس، وعلى الواقع ألف حكاية وحكاية تدعم قول العدو وتشق الصف دون أن يكون في الجعبة رد شافٍ أو قول يعتمد على الحق والحقيقة.
نموت كل يوم ألف مرة خوفًا على أولادنا، وعلى بيوتنا، وعلى استقرارنا، وعلى بلدنا، وكأننا نقف فى وحدة لا يؤنسها مدافع يملك من الأوراق أو الأرقام ما يدل به على عكس ما يقال أو يتردد صداه في الآفاق البعيدة والقريبة. وما نخشاه أن يحمل من بيدهم الحل والعقد والأمر والنهي تصورات أبعد من الحقيقة وأقرب إلى خيالات لا تعتمد على أرضية ثابتة أو واقع قد لا نراه وهم يرونه يقينًا وليس سرابًا.
وآفة سكان الأدوار العليا أنهم لا يستمعون إلى ضوضاء الشارع، ولا يرون تلوث الحارة، ولا يشعرون بما يتحرك جنينًا في أحشاء الوطن، وما ينتظرنا جميعًا دون استثناء. هل بيننا من يتمنى حراكًا مدمرًا وفورة ليس لها من دون الله كاشفة وثورة لا تبقي ولا تذر؟ هل من بيننا من يتمناها تغييرًا بالجبر والقوة والعبث؟
لا أتصور أن وطنيًّا واحدًا يلوذ بتغيير من خارج الشرعية والقانون.. لا أعتقد أن بيننا من يطمئن إلى رحايا تدور بسرعة الصاروخ دون زر أمان أو ضابط إيقاع لن يكون له مكان. الصورة قاتمة لا ريب فيها، والمنتظرون على خط التسخين لا يبالون بوطن إن سقط لن يقوم هذه المرة، وإن تُرِك على ما هو عليه لا شك ساقط بفعل التصورات الخاطئة عن حجم ما تخفيه الصدور المتعبة.
أليس فينا رجل رشيد يجيب دعوة الداعي ويحفظ السفينة والربان والبحارة، ويخطو نحو الناس، ويكلم الناس، ويشارك الناس، وينصت إلى صوت العقل قبل أن تسطو علينا لحظات الجنون؟! ويداعبني خيال طيب يحرك القائد دفته إلى شاطئ يأخذنا إلى هدنة، نتذاكر الموقف والناس والآلام والعوز والحاجة والفقر والجوع لعلنا نصل إلى مرفأ الأمان قبل فوات الأوان.