رئيس التحرير
عصام كامل

الأم ليست ملزمة بإرضاع وليدها

في الرد علي نهاد أبو القمصان!

تصدت المحامية المرموقة نهاد أبو القمصان -ولها عظيم التقدير والاحترام-  للإجابة عن سؤال لأحد متابعيها عن عدم وجوب إرضاع الأم لرضيعها وإن فعلت فهي تستحق عليه أجرا.. واتفقت مع الآراء القائلة بذلك! استندت المحامية الكبيرة علي آيتين من كتاب الله العزيز الحكيم أولاهما هي قوله: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" من سورة البقرة، وكذلك قوله تعالي: "فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ" من سورة الطلاق..


نهاد أبو القمصان استندت إلي فقهي الشافعية والحنابلة للآيتين ، وأنهما يؤيدان مبدأ "أجرة الأم علي الرضاعة"! ورغم المطالب الدائمة بتجديد الفقه.. والفقه كله بشري.. ورغم المطالب الدائمة بتنقية التراث.. والتراث كله بشري.. وذلك للحاجة إلي ما يتفق ويتسق مع تطور الحياة ورغم الاتهامات الدائمة للمتطرفين بالانتقائية في الأحكام إلا أننا عند الضرورة ننسي التجديد وننسي التراث ونلجأ للانتقائية ثم نضع المصلحة العامة جانبا ثم لا غضاضة في الاستناد إلي أمام مدرسة التشدد ومؤسسها الإمام  أحمد بن حنبل الذي نبجله ونقدره لكن من أجله صكت العبارة الشهيرة "ما تبقاش حنبلي" التي نداعب بها من نحب حين نراه متمسكا برأي متعصب أو شديد الغضب!


علي كل حال الآية كاملة هي: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 

 

ولنا عند العزيزة نهاد أبو القمصان عدة أسئلة.. منها: الآية الكريمة خبرية.. فكيف يتم التشكيك في وجوب الرضاعة؟ ومنها: قوله "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" دليل علي وجود الأم والرضيع في مكان آخر أم لا ؟! هل لو كانت الأم علي ذمة الزوج وفي بيته هل كان القرآن قال ذلك؟ أم أن الآية دليل علي أنها للمطلقة التي في غير بيت زوجها؟ وهل قوله تعالي: "فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ". 

الابن لأبيه

 

أي إذا أراد الوالدان فطام الرضيع فليتفقا علي ذلك معا ولا حرج عليهما.. فهل الآية دليل علي طلاق الزوجين أم لا ؟ هل لو كانوا جميعا الزوجين والرضيع في بيت واحد هل كان القرآن سيقول ذلك أم أن الاتفاق سيكون تلقائيا لا يحتاج إلي توجيه وإرشاد؟! ومنها: قوله "وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا" لوالدة الرضيع ووالده أم له فقط ؟! لو كانت للوالد فقط كان الخطاب سيكون "لو أراد أن يسترضع" لكن الحديث عن اتفاق المطلقين علي استدعاء مرضعة أخري غير الأم!

 
السؤال الأهم: هل اتجاهنا السابق في فهم الآيات -وهو الاتجاه شبه الكاسح لأغلب العلماء بما فيهم الشيخ الشعراوي- يتفق مع قوله تعالي من سورة الطلاق: "وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى"؟ أم لا؟ أليست الآية الأخيرة تؤكد الآية الأولي وتتكامل معها؟! أليست تؤيد فكرة إرضاع الأم المطلقة لرضيعها وهو في بيت أبيه وهي في بيت زوجها وبالتالي يعوضها والد الرضيع بالأجر الذي سيمنحه لغيرها؟! أم أن سياق الآية بعيد عن فهمنا؟!
 

باختصار نظم القرآن العظيم الموضوع.. الابن في النهاية لأبيه.. اسما ونسبا وعليه أن يتحمل الإنفاق عليه كسوة وطعاما ورضاعة.. الأم لو علي ذمته فهذا واجبها، أما إذا كانت في بيت أبيها أو تزوجت من آخر (وكان العرف وقتها أن الزوج الجديد يرفض أن يبقي الرضيع مع أمه ، لأنه يقلل من الاستمتاع بزوجته) ومن هنا يجيء التعويض.. والتشريع لإلزام الأب بالنفقة ولكنه لا ينسي -والقرآن لا ينسي أبدا- التأكيد أن ذلك وفق الطاقة والقدرة المادية.. وليس كسر الآباء فقال تعالي: "لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ".

 


السؤال الأهم: نطالب بتجديد الفقه حتي يتماشي مع مستجدات العصر.. ويشتبك مع متطلبات المجتمع.. ولنفترض أن رأي كل الفقهاء كما تفضلت الأستاذة نهاد أبو القمصان بحق الأم في أجر عن إرضاع وليدها وأنها ليست ملزمة بإرضاعه.. وليس رأي الشافعي وابن حنبل فقط -مثلا مثلا-  فهل رأيهم يتسق مع عصر يعج بمشاكل الأسرة المصرية، ومحاكم ممتلئة عن آخرها بالقضايا، ودراسات علمية مؤكدة تفيد بأهمية إرضاع الأم لرضيعها لا تحتاج إلي تشجيع علي العكس.. أم أن أحكاما جديدة ينبغي البحث عنها تضع حلولا لمشكلات مجتمعنا المزمنة؟! 

يا سادة: لا يصح أن يكون العناد سيد الموقف.. في أمة تقف من التاريخ عند مفترق طرق.. يا دخلته.. يا تركته للأبد!

الجريدة الرسمية