السياحة الدينية كنز مصر العظيم
لا أعتقد أن هناك بلدا إلا مصر يمكن أن يطلق عليه بحق وحقيقى مهد الأديان السماوية.. يعنى مهد ومقر وملتقى وبزوغ وانتشار الأديان السماوية.. الإسلام واليهودية والمسيحية.. وقبلها حيث بدأت البذور الأولى للتوحيد بدعوة اخناتون وقبلها رحلة الإنسان الوعرة للوصول إلى الله عبر مراحل وحلقات متعددة. فهى بلد ذكرها الله في كتابه الكريم وخصها بهذا الشرف العظيم..
بلد مر به وعاش فيه عشرات الأنبياء والرسل، منهم من توجهوا برسالتهم مباشرة إلى المصريين وأولهم إدريس عليه السلام أول من بعث بأرض الكنانة والرسول حزقيل وموسى وهارون على سبيل المثال حيث تنزلت الوصايا العشر، ومنهم من مر وعاش بها مثل أبو الأنبياء إبراهيم -الذى أقام بين أهلها وتزوج السيدة هاجر المصرية التى أنجبت له سيدنا إسماعيل أبو العرب، كما كان بمصر أرميا ولقمان ونبي الله يوسف ويعقوب والأسباط وعيسى والسيدة مريم..
كما شهدت مصر مولد ونشأة عدد من الأنبياء منهم نبى الله دانيال ويوشع بن نون وذو الكفل أو "بشر"، لذلك أدعو بصراحة إلى فتح ملف السياحة الدينية في مصر لتكون الكنز الأكبر للدخل القومى لمصر وإعادة المكانة الروحية لمصر كما كانت تشغلها لسنوات طويلة..
وبهذا الملف يتم فتح أراضى مصر المقدسة لجميع الباحثين عن الزاد الروحي من أهل الديانات السماوية الثلاثة وجعلها قبلة وملتقى وساحة للحج من قبل أهل كافة الديانات بمختلف المذاهب.. وهنا لا توجد ساحة للحج واحدة بل تتعدد في سيناء والقاهرة والصعيد والدلتا.. ولا خوف من غلبة التوجه السياسى على بعض القادمين فلابد من رفع شعار الدين لله والزيارة للجميع.
وبداية مصطلح الحج في معاجم اللغة: يعنى حج الأرض المقدسة أى زيارتها للتنسك والتبرك، وحج المكان أي قصده وحج إليه تعنى ذهب إليه، وحجه تعنى أكثر الذهاب إليه.
يعنى بداية الحج كمصطلح لغوي ليس قاصرا على التوجه الآن إلى الكعبة المشرفة بالنسبة إلى المسلمين، فقد كان الحج للكعبة نفسها قبل ظهور الإسلام وبعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام من قبل كل البشر.. ومن جهة ثانية يقصد بالحج من الناحية الدينية قصد بعض الأماكن المقدسة مثل حج المسيحيين إلى الأراضي المقدسة في فلسطين، يعنى لا حرج أن نقول الحج إلى مصر.. وتتعدد الوجهات ووجه الله واحد..
الحج إلى سيناء
حيث جبل موسى وحيث تجلى الله على أهل الأرض وسيدنا موسى على جبل التجلى ونزلت الوصاية العشر على جبل موسي.. وهل يوجد مكان على وجه الأرض تجلى فيه الله.. هنا سيأتي المسلمون والمسيحيون واليهود حيث يؤمن الجميع بالتجلى، هنا سيأتي الجميع إلى شجرة موسى في دير سانت كاترين التي لم تذبل من عهد سيدنا موسى حيث استظل بها.
هنا سيأتي المسيحيون إلى دير سانت كاترين بكنيسته العريقة ورفات القديسة كاترين وقصتها المقدسة، وهنا سيأتى الجميع للتبرك بالأرض التي عاش عليها الأنبياء هنا موسى وهارون وصالح ويوسف وشملت الأنبياء الذين عاشوا أو مروا أو ماتوا بها، ومن الجنوب إلى شمال سيناء.. حيث الحج إلى العريش بل والحج إلى كل نقاط رحلة العائلة المقدسة هربا من بطش الرومان في فلسطين.. منذ دخولها إلى العريش ومرورها بكل البقاع التي توقفت واستراحت فيها مثل صان الحجر والمطرية وقرى الصعيد مثل بهنسا حتى استقرت في أسيوط.
الحج إلى بهنسا:
في صعيد مصر وفى مدينة البهنسا التابعة لمركز بنى مزار محافظة المنيا يمكن أن تكون ساحة للحج أيضا حيث تجمع بين الإسلام والمسيحية وما قبلهما فهى مدينة أثرية قديمة، عثر فيها على الكثير من البرديات التي ترجع للعصرين اليوناني والروماني. وعنها يقول المؤرخون العرب إنها كانت عند فتح مصر مدينة كبيرة حصينة الأسوار لها أربعة أبواب ولكل باب ثلاثة أبراج، وإنها كانت تحوى الكثير من الكنائس والقصور.
وقد ازدهرت في العصر الإسلامي، وكانت تصنع بها أنواع فاخرة من النسيج الموشى بالذهب. وتحتوي مدينة البهنسا على آثار من مختلف العصور التي مر بها التاريخ المصري حيث تشتمل هذه القرية على الآثار الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية، ويحكى أن هذه البلدة كان يحكمها حاكم روماني يسمى البطليموس وكانت له فتاة ذات حسن وجمال، ومن شدة جمالها أطلق عليها بهاء النسا ومن هنا سميت البلدة بـ "البهنسا".
ومن المعالم التاريخية الموجودة فيها شجـرة مـريم التي يقال أن السيدة مريم العذراء جلست تحتها مع المسيح ويوسف النجار، وشربوا من بئر بجوارها في طريق رحلتهم إلى صعيد مصر. وفى التاريخ الاسلامى تعتبر البقيع الثانى حيث يُطلق عليها مدينة الشهداء لكثرة من اسُتشهد فيها خلال الفتح الإسلامي ففي عام «22 هجرية» أرسل «عمرو بن العاص» جيشا لفتح الصعيد بقيادة «قيس بن الحارث» وعندما وصل إلى البهنسا، كانت ذات أسوار منيعة وأبواب حصينة..
كما أن حاميتها الرومانية قاومت جيش المسلمين بشدة، مما أدي إلى سقوط عدد كبير من المسلمين، وهو ما كان سببا في قدسية المدينة داخل نفوس أهلها الذين أطلقوا عليها «مدينة الشهداء» تبركًا والتماسًا للكرامات.
وفي البهنسا غربا بجوار مسجد «علي الجمام» تقع جبانة المسلمين التي يوجد فيها وحولها عدد كبير من القباب والأضرحة التي تنسب للصحابة والتابعين والعلماء الذين زاروا المدينة ومقابر ومقامات لشهداء الجيش الإسلامي الذين شاركوا في فتح مصر واستشهدوا على هذه الأرض خلال حملتهم في فتح الصعيد، ويفخر أهلها اليوم بهذه القرية لاحتواء ترابها على أجساد هؤلاء الشهداء من الصحابة.
مساجد وأضرحة
وعلى هذا النحو تحتشد مصر بالأماكن الدينية المقدسة ويكفى أن القاهرة الإسلامية وحدها بما تحوى من مساجد وأضرحة آل البيت كفيلة بجذب الملايين من المسلمين والعاشقين للحضارة الإسلامية
وأعتقد أن مشروع الرئيس عبد الفتاح السيسى لتطوير منطقة دير سانت كاترين ورصد 4 مليارات جنيه ليكون واحة للسلام وملتقى الأديان السماوية كفيلة بتحويل هذه المنطقة لأكبر مزار دينى يشترك في زيارته المسلمون والمسيحيون واليهود..
ويمكن أن تكون أكبر مصدر للدخل القومى فضلا عن القيمة الروحية التي تجعل المكان قبلة الجميع وكعبتهم التي يحجون إليها في مكان غير متكرر لأصحاب الديانات الثلاثة حيت يتوحد الجميع في التوجه إلى الخالق سبحانه.
ويتكامل ذلك مع مشروع تطوير مساجد السيدة زينب والإمام الحسين والقاهرة الإسلامية.. كل ذلك كفيل باستقبال أكثر من 15 مليون سائح للسياحة الدينية فقط إذا تم التسويق السياحى والاعلامى الجيد.. وقتها تصبح مصر قبلة وحج للباحثين عن الزاد الروحى!
yousrielsaid@yahoo.com