أحمد بهاء الدين.. ضمير الصحافة الذي لم يفقد ظله رغم اقترابه من السلطة
شخصية فارقة وكاتب مثقف تنويرى لديه موهبة نادرة وعرف بتحليله الجاد للقضايا السياسية والمجتمعية المحلية والعربية، عرف بالكاتب الضمير، من بين عموم المثقفين اقترب من السلطة لكنه حافظ على درجة من الاستقلالية في الرأي فلم ينافقها، من هؤلاء كان الكاتب أحمد بهاء الدين الذى رحل في مثل هذا اليوم 24 أغسطس عام 1996 نتيجة غيبوبة استمرت معه 6 سنوات.
استطاع الكاتب الصحفي أحمد بهاء الدين أن يدخل في صدامات كثيرة مع السلطة لكنه لم يكن من الصحفيين الذين عرفوا السجون لكنه عرف النقل والفصل من العمل.
ولد أحمد بهاء الدين الإسكندرية عام 1927، إلا أن جذوره تعود الى أسيوط وتخرج في كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) عام 1946 وقد كان أحد أصغر رؤساء التحرير حين توليه رئاسة تحرير مجلة (صباح الخير) عام 1957، ودار الهلال والأهرام ومجلة العربي الكويتية (1976 – 1982)، وكان يكتب المقالات في العديد من الصحف المصرية والعربية.
المثقفون والسلطة
صاحب مدرسة صحفية متميزة بعيدة عن الإثارة استمرت أكثر من نصف قرن في بلاط صاحبة الجلالة، كانت يوميات بهاء الدين في جريدة الأهرام رصدا دقيقا للأحوال الاجتماعية والسياسية والثقافية التي شهدتها مصر، كتب عن الماضى والحاضر وعينه على المستقبل، وألف 37 كتابا في مختلف القضايا والمجالات منها " يوميات هذا الزمان، المثقفون والسلطة في عالمنا العربي، وهما تقديم الكاتب محمد حسنين هيكل، أيام لها تاريخ، أفكار عصرية، محاوراتى مع السادات، هذه الدنيا، الاستعمار الأمريكي.
بدأ حياته الصحفية بمقال نشره بمجلة "الفصول" التي أصدرها ورأس تحريرها محمد زكى عبد القادر عام 1944 وبدأت الكتابة حين ذهب شاب في العشرين من عمره قصير ونحيل إلى مقر الفصول بشارع شريف وترك مقالا عن جمال الدين الأفغاني في الذكرى الخمسين لوفاته، باسم مستعار.
أول المحطات
ونشر المقال بمجلة الفصول التي تكون مجلس تحريرها من فتحى غانم ونعمان عاشور أحمد حمروش، أنور المشرى وبدر الدين أبو غازى، وطلب مجلس التحرير من البواب إحضار الشاب كاتب المقال، وبعدها وجدت مقالات وأشعار الشاب أحمد بهاء الدين طريقها إلى صفحات مجلة الفصول، ثم ترك محمد زكى عبد القادر رئاسة تحرير الفصول للصحفى الشاب أحمد بهاء الدين وكان في الثانية والعشرين وانتقل إلى العمل فى مؤسسة "روز اليوسف"، وساهم فى تأسيس مجلة "صباح الخير" وكان أول رئيس تحرير لها وعمره 28 عاما، وارتبط بصداقة كبيرة مع الأديب إحسان عبد القدوس وفتحى غانم وكونا ثالوثا متكاملا في العمل حتى أنه استمر سبع سنوات في رئاسته لتحرير المجلة الشابة.
انتقل بهاء الدين الى رئاسة تحرير جريدة "الشعب"، ثم رئيسا لتحرير "أخبار اليوم"، وانتقل إلى دار الهلال كرئيس لمجلس إدارتها ورئيس تحرير "المصور"، وترأس تحرير مجلة "العربي" الكويتية ثم مجلة "الشموع" حتى كانت المحطة الأخيرة في جريدة الأهرام.
السداح مداح
هو أول من هاجم سياسة الانفتاح الاقتصادى فى عهد السادات، فكتب مقالا بعنوان (سياسة السداح مداح) عام 1974 حين أصدر عبد العزيز حجازى قانون الانفتاح والاقتصاد الحر، وذلك أثناء رئاسته لتحرير الأهرام.
كانت يوميات أحمد بهاء الدين فى الأهرام التي كانت رصدا دقيقا للأحوال الاجتماعية والسياسية والثقافية التى تشهدها مصر يعرضها في أسلوب رشيق أهم ما فيه الموضوعية والتوثيق في كتاباته
تواضع شديد
من شدة تواضع الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين كان يطلق على نفسه محررا حتى أنه أواخر حياته حينما بدأت الأمراض تهاجمه كتب يقول: إن نومى قلق والشئ الوحيد الذى أتغلب به على السأم هو القراءة ولا أنكر أن قوتي الجسدية متواضعة والمحرر اليوم لا يحتاج الى فصاحة فقط ولا إلى أذن حساسة فقط ولا إلى ذوق في الإخراج فقط أنه يحتاج أيضا إلى إطلاع متشعب آخذ للبصر مرهق للأعصاب على أحدث الكتب والصحف العالمية.