رئيس التحرير
عصام كامل

انقذونا

كتبت قبل أسبوعين عن أم فقيرة ومريضة، مأساتها ليست في الفقر ولا المرض، لكنها في ابنها الذي سقط في مستنقع الإدمان، فأسقطها في بحر من الأوجاع. طلبت الأم المتعففة وهي الفقيرة مساعدتها في إلحاق إبنها بأحد مراكز علاج الإدمان، فنقلت صرختها إلى هذه المساحة طالبًا العون من أهل الإختصاص.


الصرخة سمعها الدكتور عمرو عثمان مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان فتواصل معي على الفور، وتوجهت السيدة مع إبنها إلى مركز علاج الإدمان بالإسماعيلية، وهو المركز الأقرب لها، وتم حجز الإبن عدة أيام حيث أجريت له التحاليل، لينتقل بعدها إلى مركز علاج آخر في بور فؤاد.

 

وأثناء الانتقال.. غير الشاب وجهته، وعاد إلى منزله بمحافظة الشرقية، لتعود صرخات الأم تدوي في أذني، لقد بددت عودة الشاب دون إستكماله للعلاج حلمها، تواصلت مع المستشار الإعلامي لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان مدحت وهبة الذي سعى مشكورًا لإعادة الشاب المدمن لمركز العلاج لكن دون جدوى، بسبب إصرار الشاب على عدم إستكمال علاجه.


تلك كانت صرخة أم موجوعة بإبنها المدمن، والصرخة تبعها صرخات أخرى لأمهات إفترس الإدمان أبنائهن، فسرقوا محتويات منازلهن لشراء المخدرات، وإمتدت أياديهم لمحتويات منازل الجيران، وإحترف بعضهم السرقة فنقل نشاطه إلى قرى مجاورة، ليصبح مطاردًا من الشرطة، ويكمل دائرة العذاب التي تعيش فيها أسرته.

شرط موافقة المدمن


صندوق مكافحة وعلاج الإدمان فتح أبواب مراكز العلاج للمدمنين، فأنقذ آلاف الأسر من عمليات نصب كثيرة تقوم بها مراكز غير متخصصة طالما تاجرت بهم وزادتهم فقرًا، كما توسعت إنجازات الصندوق فأنشأ مراكز أخرى لإعادة تأهيل الشباب المتعافي وتدريبه على بعض المهن، ثم الدفع به لسوق العمل من خلال قرض يحصل عليه الشاب المتعافي ليؤسس به مشروعًا، وهو مجهود محمود للمركز. 

 

لكن عقبة واحدة تحول دون إنجازات أكبر بإستطاعة صندوق مكافحة الإدمان تحقيقها، وهي موافقة المدمن على العلاج كشرط أساسي لدخوله المراكز، هذا الشرط لابد من إعادة النظر فيه، فالشاب المدمن مغيب، وعاجز عن إتخاذ القرار، وأسرته عاجزه عن إقناعه بضرورة العلاج، وإذا ألحت فعليها أن تتحمل التحولات المزاجية لإبنها والتي تصل أحيانًا إلى حد إعتدائه على والديه.


أتمنى أن يبحث صندوق علاج الإدمان عن آلية لجمع الشباب المدمن وإجبارهم على تلقي العلاج حتى لو إضطر الصندوق للتنسيق مع وزارة الداخلية وكل الجهات المعنية، فالشاب المدمن قنبلة موقوتة تنفجر أحيانًا في المحيطين به، وكم من جرائم إرتكبت تحت تأثير المواد المخدرة.


خاصة أن تصنيع المخدرات صار حرفة البعض في الريف، وأرباحها هائلة، وتأثيرها أصبح معلومًا للمواطنين في قرى مصر، لذلك لابد أن تتعاون كل قطاعات الدولة مع صندوق مكافحة وعلاج الإدمان لمواجهة هذه الآفة التي راح ضحيتها آلاف الشباب، وأفقرت آلاف الأسر.

 


صرخات أمهات المدمنين تدوي في أذني، ووجوههن التي أنهكها المرض والفقر والحزن على فلذات أكبادهن أحاول أن أرسمها بكلماتي، فربما تسمع الجهات المعنية دوي الصرخات، وربما تقرأ كلمة (أنقذونا) وهي عنوان لوحة الحزن التي إجتهدت في رسمها.

besheerhassan7@gmail.com

الجريدة الرسمية