أسئلة حول الاستشهاد فى المسيحية (1)
هل يوجد فرق بين الشهادة والاستشهاد؟ وماهى العلاقة بينهما؟ وهنا نقول إنه ينبغى أن يدرك كل إنسان مسيحى على الأرض أن المسيحية أولًا وأخيرًا هى كرازة للمسيح أى شهادة.. وكلمة الاستشهاد مستقة من الشهادة مثلاُ استشهاد فلان لأنه سئل عن إيمانه وعن عقيدته وعن كلمة الحق وعن مسيحه.. وكانت إجابته بقوة وثبات وشجاعة أنا مسيحى.. هذا الإنسان قد دافع عن طهارته وعفته ومحبته للمسيح حتى الموت الجسدى فهذا شهيد فى المسيحية.
كانت شهادة هؤلاء الشهداء الأطهار القديسين منذ العصور الأولى للميلادى كرازة باسم المسيح للحكام الرومان واليهود. وهذه الكرازة ربحت الكثيرين للملكوت الأبدى والسر فى ذلك لان صفة السيد المسيح له المجد موضوعه فى ذاتهم.. ويقول الكتاب "وضع ذاته وأطاع الأب الأزلى حتى الموت: موت الصليب". وهكذا يشهد المؤمن شهادة كاملة للمسيح تحت أى تهديد من أى شكل..
ونحن نعلم جميعًا أن أول شهداء فى القرن الأول الميلادى مذبحة أطفال بيت لحم، على يد هيردوس الملك ظن أن الطفل يسوع المسيح من بينهم.. وأول شهيد في المسيحية هو اسطفانوس رئيس الشمامسة من أجل الإيمان بالمسيح.
الشاهد والشهيد مكملين بعضهم، ومفهوم الشهادة لا يقتصر فقط على الذين قتلوا جسديًا، ولكن مفهموم الشهادة يكتمل مع الشهيد بقبول نعمة الاستشهاد أيا كان بالقتل أو الذبح أو بالحرق أو من بعض العذاب. فالشهادة هى بذل وعطاء ومحبة وشهادة حق وإيمان كامل بالسيد المسيح له المجد.
كتير جدا فى هذا العالم شهداء وهم أحياء! عندما يضهطدون ويسرقون ويحرقون وتحبس حريتهم ويتهجرون قصرًا من بيوتهم وبلادهم، ويخطفون أولادهم ونساءهم.. فهولاء شهداء فى المسيحية.
محبة الأعداء في حد ذاتها صليب كبير جدًا فهى أعظم شهادة فى المسيحية.. وليس منصبًا على فئة معينة أو زمان معين أو مكان بعينه. فجميع الذين يريدون أن يعيشوا مع المسيح بالتقوى والقداسة والمحبة فهم يضطهدون، فالاستشهاد نعمة فى محبة الله لم يحصل عليها إلا القليلون. فيقول الكتاب: "كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك أكليل الحياة الأبدية"، فالشهيد لا يخاف الموت لأن المسيح حقيقته العظمى والوحيدة، لذلك صرخ القديس أغسطينوس وقال جلست أعلى قمة الجبل.. لا أخاف شيئًا. وداود النبى قال: "أن سرت في وادى ظل الموت لا أخاف شرًا لانك معى".
أنواع الاستشهاد
والسؤال هنا ما هى أنواع الاستشهاد ؟ وهل الاستشهاد بسفك الدم فقط ؟ الأجابة تقول أن شهادة المؤمن بالمسيح بفمه أى الكرازة بإسمه شئ والشهادة للمسيح بالدم شئ آخر، وله بركة وكرامة خاصة. فعندما نبحث نجد القديس يوحنا الحبيب أحد تلاميذ السيد المسيح له المجد والقديس العظيم الأنبا أنطونيوس أبو الرهبان ومؤسس الرهبنة فى العالم المسيحى والرجل البار أيوب هؤلاء عاشوا الاستشهاد بدون سفك دم، وغيرهم كتير جدًا.
وهنا نميز ثلاث أنواع من الاستشهاد من حيث الدافع للاستشهاد فى المسيحية:
- من أجل ثباتهم على الإيمان المسيحى وأكثرهم هكذا.
- من أجل المحافظة على العفة والطهارة وجميع الفضائل.
- التمسك بالعقيدة المسيحية حتى الموت بالسيف أو بأى نوع من العذاب.
والاستشهاد بسفك الدم هو فى الحقيقه سر من أسرار الكنيسة، ربما يعادل سر المعمودية تمامًا وينوب عنه، لانه هو تجديد حمل الصليب حيث يكون المسيح في قلب وعقل وفكر وروح الشهيد. حيث يكون الروح القدس المعطى للنفس وهكذا يذوق الشهيد أصناف العذاب كلها بلا أى كوى أو أعتراض لآنه يذوق فى الحقيقة إختبار غلبة الموت مثل السيد المسيح وهو معلق على عود الصليب.
كان يمكن أن تصبح المسيحية شيئًا آخر غير ما نراه، لولا أولئك الشهداء الذين ثبتوا على الإيمان المسيحى حتى الموت وقدموا دمائهم وحياتهم ثمنًا كبيرًا فى محبتهم للمسيح له المجد لكى يشتركوا معه في الصليب حينما قدم ذاته ودمه ذبيحة عن حياة العالم والخليقة كلها لكى تخلص.
طبيعة الشهداء
السؤال هنا: ماهى طبيعة الشهداء؟!
نقول أنه لا يوجد فى تاريخ البشرية شهداء مثل شهدائنا القديسين في حماسهم وشجاعتهم وإيمانهم وصبرهم ووداعتهم واحتمالهم وفرحهم بالاستشهاد لقد كانوا يقبلون الاستشهاد والموت بفرح عظيم وهدوء تذهل مضطهديهم، الشهداء كانت عقولهم وقلوبهم في إنارة شديدة دفعتهم للإيمان، وظلت عقولنا وقلوبنا إلى اليوم وستظل تفعل ذلك إلى آخر الزمان، وستظل مشتعلة في كل انحاء الأرض إلى المنتهى.
تاريخ الشهداء طويل وجليل سواء من أيام التلاميذ والرسل القديسين الأوائل للمسيح أو شهداء المسيحية عبر العصور. الاستشهاد في المسيحية كان ومازال شهوة لكل مؤمن وبطولة الشهداء ونفسيتهم وقت التعذيب ليس لها مثيل من الاحتمال.
أسئلة تطرح نفسها علينا: لماذا يسمح الله بالتجارب والضيقات والاضطهادات والالآم القاسية؟! ثم لماذا يترك الله بعض الشهداء يعذبون ويأخذون مدة طويلة من العذاب مثل امير الشهداء مارجرجس أخذ سبعة سنوات؟ لماذا تركه الله يعذب بأفظع أنواع العذاب، وهكذا الشهيد أبى سيفين والأمير تادرس والقديسة دميانة وغيرهم من الشهداء القديسين.. لماذا تركهم الله ولم يساعدهم أو ينصرهم على الأعداء؟
وبالتدقيق نجد أنها أحكام الله أوحكمته، فيقول لستُ تفهمون الآن، ولكن فيما بعد ستجدون أن هذا من أجل الخير للإنسان. فبسبب طول المدة يخلص الشهداء من خطاياهم ويستعدون للقاء العريس السماوى، فهو امتحان، ربنا يعطى الفرصة للامتحان أوقات الاستشهاد، ووقت الامتحان يظهر العنصر المحب ويظهر الإيمان الحقيقى القوى.
أما الاضطهادات فهى مفيدة والاستشهاد بركة كبيرة ومفيدة جدًا لأجل البنيان عبر الأجيال.. فهذا خير للشجرة لكى تتخلص من الأوراق الضعيفة الصفراء المعطلة للنمو لكى تأتى الأوراق الخضراء وهناك تكون فرصة للأجيال الجديدة كرازة قوية بأسم المسيح مخلص العالم. فتاريخ الشهداء هو الأنجيل الخامس الذى كان بمثابة المنارة التى أضاءت طريق المؤمنين، وهم باكورة وحدتنا في المسيح وإسماؤهم كتبت في سفر الحياة.