من فضائل القديسة العذراء مريم
شخصية السيدة العذراء مريم هي شخصية فريدة فهي الوحيدة في جنس البشر التي قيل عنها أنها ممتلئة نعمة، والحديث عن العذراء مريم يتفرع إلى مجالات كثيرة وفضائلها الكثيرة، والفضيلة التي نريد أن نقترب منها اليوم هى فضيلة الكلام.
لم نسمع أن الكلام له فضيلة بل كثيرون يعتبرون الكلام لابد أن يصاحبه خطأ، حتى أن الآباء القديسين كان أحدهم يقول "كثيرًا ما تكلمت فندمت، أما عن سكوتي فما ندمت قط عليه"، وحتى فى أمثالنا الشعبية يقولوا إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، لكن مع أمنا العذراء مريم الأمر يختلف تمامًا..
ففى كلامها تعاليم كثيرة حتى أننا نشتاق أن نقرأ شيئًا للعذراء مريم قالته بفمها الطاهر وبالرغم مما قيل من كلام السيدة العذراء قليل جدًا إلا أنه مرشد ومعلم لنا جميعًا، العذراء مريم عاشت الآية التي تقول “بكلامك تبرر وبكلامك تدان“ فكان كلامها قليلًا ولأنها عاشت آيهٍ أخرى تقول كثرة الكلام لا تخلو من معصية فهى فضلت الصمت فأصبح الصمت فضيلة..
ومن خلال حياة أمنا العذراء نجدها قد تكلمت قليلًا جدًا ولكن هذه الكلمات القليلة فيها دروس كثيرة نستطيع أن نستفيد بها ففي حديثها مع الملاك جبرائيل في البشرة الإلهية: فقالت مريم كيف يكون هذا وأنا لستُ أعرف رجلًا ( لوقا 34:1). يتضح من حديثها أنه استفسار عن أمر مفهوم وبالرغم عن أنها فتاة والملاك يقول لها أنها ستحبل وتلد ولكن ردها فيه هدوء، واستفسارها فيه رقة وليس بأسلوب منفر، حتى إذا كان يكلمها يبلغها رسالة فوق مستوى إدراك العقل ولكن لم تتعصب عليه ولم تقل له مثلًا “ما هذا الكلام الذى أنت تقوله إننى عذراء“ ولكن في هدوء تستقر وتسأل..
تسبيحة العذراء
وهنا الدرس الذي ينبغي أن نستفيد منه ألا نكون سريعى الغضب عندما نسمع أمرا لا يناسبنا بل نستفسر فى هدوء ونتعلم من كلام أمنا العذراء مريم الطيب وحفظ اللسان، فاللسان الحلو مطلوب فى أحاديثنا مع الجميع وفى جميع المجالات وبعدها أن بشرها الملاك بأنها ستصير أما فقالت له “هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك “( لوقا 38:1).
يتضح من هذا الحديث أن أمنا العذراء تمارس حياة الطاعة والخضوع وأيضًا فى كلامها يدل على الإيمان لأنها قبلت بإيمان وعد الله لنا، لقد قبلت الدعوة بلا فحص ولا سؤال، فكانت لها إجابة واحدة “هوذا أنا أمة الرب“ أي عبدته وجاريته.. وهذا المجد العظيم الذي أعطى لها الله لم ينقص أطلاقًا من تواضعها بل منحها هذا المجد إذ نظر إلى اتضاع أمته، فصنع بها الرب عجائب ( لوقا 48:1).
ثم نقرأ تسبيحة العذراء مريم التي فاض بها لسانها وفى الحقيقة قبل أن يفيض اللسان فاض القلب بكلام صالح اليصابات تستقبلها بكلام حلو ومريح يطيب للأذن والسمع ولكنها في جمالها ترد بالتسبيح لله تمجده وتعظمه.. الدرس الذى لنا أن التسبيحة ما هى إلا نموذج لنوعية كلام أمنا العذراء مريم، كلام عن الله وخاصة بين السيدات والبنات فى أحاديثهم الخاصة وما هو نوع الكلام الذي يدور، فإن كان الله هو الذى أعطانا موهبة النطق فالأولى أن يسبح ويمجد الله، ونصلي يارب افتح شفتى فمنطق فمي بتسبيحك.
ونجد نوع آخر من كلام أمنا القديسة توسل من أجل حاجة الغير لإسعافهم في لحظة حرجة كما حدث فى عرس قانا الجليل، فالعذراء مريم هى أمنا كلنا تحس باحتياجاتنا وتطلب من ابنها الحبيب يسوع المسيح له المجد عنا فهى تشفع فينا وتطلب عنا فهى الشفيعة الأمينة لجنس البشر، فكلام أمنا العذراء كان له خصائصه ومميزاته فكانت العذراء يتحدث معها شخصيات تبنى لم نسمع أنها كانت تتحدث مع شخصيات تافهة، لأنها تعلم تمام العلم أنها إذا تحدثت مع شخص لابد أن تسمعه فهى كانت مدققة فى اختيار المتحدث إليها وبالتالى كان كلامها له طبيعة مختلفة عن باقى الناس.
لم نسمع فى كلام أمنا العذراء مريم كلام تجريح ولا إدانة ولا مذمة ومجادلة ولا تسفيها للآخرين إطلاقًا.. أما نحن فكثيرًا ما نهزأ أو نجرح أو ندين الآخرين ونذم فى حق الكثيرين، وأحيانا كثيرًا للأسف لا نشعر بمقدار ما نفعله ونسببه للآخرين من متاعب.
كلام الست العذراء مريم كله طهارة وحكمة فلم يتدنس بشئ، فالقلب الطاهر ينبع منه كلام طاهر نقى، فالإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات والإنسان الشرير من كنز قلبه يخرج الشرور. يا ليتنا نتعلم من أمنا القديسة مريم الحكمة والاتضاع والطاعة الكاملة لله وتضع أمام عيوننا هذه الآية الذهبية “الموت والحياة فى يدى اللسان“ (أمثال 21:18).
فالإنسان الذي يضبط لسانه ولا يدعه يعثر في الكلام هو رجل كامل الفكر والحكمة لأنه قادر أن يلجم كل أعضاء جسمه أيضًا.. وهو أيضًا بلا شك يكون تلميذًا لربنا له كل مجد، لذلك فنحن نتوسل إليها أن تشفع فينا أمام الله، لأنها لها دالة عنده وهو لابد أن يستجيب لصلاتها وتوسلاتها وشفاعتها من أجلنا نحن البشر، لينعم لنا بغفران الخطايا وأن يرحمنا ويرفع عنا الحروب الروحية ويطهرنا ويجعلنا أبناء لائقين بطهارتك.
فلنهتف قائلين “مباركة أنتِ فى النساء “( لوقا 42:1 ).