فتنة الريسوني.. هجمة مرتدة أغضبت موريتانيا والجزائر وأضرت بالإخوان
نيران فتنة أراد الإخوان إشعالها بين دول المغرب العربي بحثا عن الفوضى، يرتد لهيبها ليضرب بقلب تنظيم متهالك تنخره الصراعات والانقسامات.
أحمد الريسوني، رئيس ما يسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، استهدف جيران المغرب بتصريحات زعم فيها أن موريتانيا مغربية، وأن استقلالها عن المملكة "خطأ"، ودعا إلى "الزحف بالملايين إلى مدينة تندوف الجزائرية".
وفجرت التصريحات استنكارا واسعا بالبلدين، وفتحت النار على تنظيم تبين بالكاشف أنه يشكل قنبلة موقوتة مزروعة تهدد تماسك المجتمعات وعلاقات الدول واستقرار المنطقة.
ورغم أن ما يسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" سارع إلى التبرؤ من تصريحات الريسوني، إلا أن محاولة التنصل لم تجد نفعا، حيث انهالت ردود الفعل المستنكرة والمنددة، في انتكاسة جديدة تدين التنظيم وتفاقم انقساماته وتناقضاته.
وفي مقابلة مع موقع "بلانكا بريس" المغربي، زعم الريسوني أن "وجود موريتانيا نفسها خطأ، فضلا عن الصحراء، على المغرب أن يعود إلى ما قبل الغزو الأوروبي".
وأضاف أن "العلماء والدعاة في المغرب مستعدون للجهاد بالمال والنفس والزحف بالملايين إلى مدينة تندوف الجزائرية"، ما فجر موجة تنديد عارمة رسمية وحزبية لدى جيران المملكة.
موربتانيا تخرج عن صمتها
بعد يومين من التصريحات والغضب الحزبي والشعبي، خرجت الحكومة الموريتانية عن صمتها لترد بقوة على الريسوني وتنظيمه.
وخلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الخاص باجتماع مجلس الوزراء، قال الناطق باسم الحكومة محمد ماء العينين ولد أييه، إن تصريحات الريسوني المتعلقة بموريتانيا “مستنكرة ومدانة”.
واعتبر ولد أييه أن التصريحات “لا تستند لأي مصدر قد يمنحها مصداقية”، مشددا على أنها “ضد شواهد التاريخ، والقوانين الدولية“.
كما أكد أنها “بعيدة عن كل ما من شأنه أن يبث الطمأنينة ويحقق احترام الآخر”، لافتا إلى أن صاحب هذا الكلام لم يقله إلا حين “تبرأ من أي جلباب يشي بالحكمة والمصداقية”.
وقبل الموقف الرسمي، نددت هيئة العلماء الموريتانيين بالتصريحات المستفزة للريسوني، واصفة إياها بـ"المريبة وغير الودية والمستفزة"
وأضافت الهيئة أن "هذا النوع من الدعوات تطاول على سيادة بلادنا ولا يرضي الأشقاء في المغرب ونعتب على صاحبه في موريتانيا".
من جانبه، اعتبر وزير الإعلام السابق في موريتانيا، سيدي محمد ولد محمد، أن تصريحات الريسوني "أمر لا يستحق الرد في مضامينه، لكون الرجل لا يمثل وزنا رسميا أو اعتباريا مهما في المغرب، ولأن وجود موريتانيا يشكل حقيقة تاريخية امتدت على هذا الفضاء ما بين الأندلس شمالا وبلاد السودان جنوبا".
وتابع ولد محمد، في منشور عبر موقع "فيس بوك": "كما هي حقيقة قائمة اليوم على الأرض بحكم الشرعية الدولية وجهود أبنائها وتضحياتهم، ولا نستجدي في ذلك اعترافا من أي كان".
شبح أزمة مع الجزائر
وفي الجزائر أيضا، لم تتأخر ردود فعل عن المجتمع المدني والسياسي وحتى الديني في الصدور، حيث تواتر المواقف الغاضبة من جانب بعض الأحزاب، محملة بتصريحات تحمل معها شبح أزمة جديدة بين الجارتين.
واعتبرت جبهة التحرير الوطني، التي تمتلك أكبر كتلة برلمانية، أن "تصريحات الريسوني جاءت لتعيد إنتاج خطاب نظام المخزن المغربي، بخصوص ما يسمى الحقوق التاريخية المزعومة في أراضي دول الجوار".
كما صدر تعليق رسمي من السلطات الجزائرية عبر بيان للجنة الفتوى التابعة لوزارة الشؤون الدينية، قالت فيه إن تصريحات الريسوني "تضمٌن تحريضا واضحا ودعوة صريحة إلى الاعتداء على سيادة الدول".
وأضاف البيان أن "الريسوني سولت له نفسه، ظلما وعدوانا، إثارة خطاب الكراهية، والدعوة إلى إشعال نيران الفتنة بين شعوب المنطقة ودولِها وحكوماتها".
موجة من الغضب والمد والجزر فجرتها تصريحات الريسوني، دفعت ما يسمى "الاحاد العالمي لعلماء المسلمين" إلى الإسراع بالتبرؤ منها، أملا بالإفلات من حمم التنديد.
ممثل الإخوان زعم أن رأي الريسوني "يمثله وحده"، تاركا الرجل يواجه لوحده حمم تنظيم بأكمله، في مسار لا يعتبر غريبا عن جماعة تعودت التخلي عن أعضائها حين تداهمهم نيران الغضب أو تطوقهم الاتهامات، لكن في حال حصل العكس، لخرجت تصفق عبر البيانات وتسابقت قياداتها لكيل المديح.
الريسوني نفسه لم يجد من بد سوى اللجوء إلى أكثر الحيل استهلاكا وهي زعم أن كلامه أخرج من سياقه، وادعى أن تصريحاته لم يفهم بالشكل الجيد، وأنها "كانت في واد بينما كانت الحملة ضدها في واد آخر".
وفي محاولة يائسة للنجاة، أرجع الفتنة التي تسبب فيها إلى التأويل السياسي لكلامه، مستحضرا نظرية المؤامرة التي يقودها ضده ”أشخاص لهم مواقع سياسية بدأت تنكشف”، وهو الملاذ نفسه الذي يلجأ إليه الإخوان عموما حين تدينهم تصريحاتهم وأعمالهم، وتنصب لهم المحاكم الشعبية.
فشل الريسوني وتنظيمه في تبرير ”حسن النوايا” لمجتمعات ودول باتت على قناعة بأن فكرهم المبني على الإقصاء والتطرف لن يتمكن أبدا من التعايش مع مفهوم الاستقرار، وأن نيران الفتنة التي يشعلونها كلما ضاقت بهم السبل وطوقتهم أضواء الإعلام، ترتد عليهم وبالا يحرق ما تبقى من تنظيم متصدع وعاجز عن العثور على نقطة بداية جديدة.