نسأل الله العافية للجنيه المصرى
هل ستنصاع الحكومة المصرية لشروط صندوق النقد الدولي، وتواصل خفض قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي، أم ستبحث عن خيارات تحمى بموجبها العملة المحلية والاستغناء عن القرض الجديد الذى بدأت مفاوضات الحصول عليه من الصندوق، والذى لم يتم الإفصاح عن قيمته رسميا حتى الآن؟
الواقع دون مواربة أو تجميل يؤكد أن الأيام القليلة القادمة سوف تشهد مزيدا من الانخفاض والتدهور لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار الامريكى، وأن ذلك التراجع السريع لا علاقة له بقوة العرض والطلب على العملات الأجنبية، ولكنه أحد شروط صندوق النقد الدولي للموافقة على القرض الجديد الذى طلبته الحكومة المصرية، والذى تحدثت التقارير عن أنه قد يتراوح بين 10 و15 مليار دولار.
الغريب في أمر القرض الجديد، أنه يأتي في توقيت تشهد فيه مصر ارتفاعات غير مسبوقة من عائدات النقد الأجنبي الوارد إلى البلاد، بعد أن ارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى 29.1 مليار دولار حتى يوليو الماضى، وارتفعت عائدات الصادرات غير البترولية خلال النصف الأول من العام الحالي إلى 19 مليار، وسجلت عائدات السياحية نحو 8.2 مليار دولار خلال ال 9 أشهر الأخيرة، على الرغم من التأثيرات السلبية لغياب السياحة الروسية والأوكرانية، وارتفعت عائدات قناة السويس إلى 5.1 مليار دولار، وقفز فائض الميزان التجاري البترولي لنحو 4.1 مليار دولار، وسجلت عائدات صادرات الأسمدة والكيماويات نحو 4.3 مليار دولار، إلى جانب 3.7 مليار دولار من عائدات صادرات قطاع مواد البناء.
شروط صندوق النقد
غير أن لجوء الحكومة المصرية لصندوق النقد يأتي هذه المرة تحت ضغط التأثيرات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري، وارتفاع قيمة الديون الخارجية، التى قفزت طبقا لبيانات البنك المركزي المصري إلى 157.8 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، بزيادة بلغت 12.3 مليار خلال 3 أشهر، حيث كان قد سجلت في نهاية ديسمبر الماضي نحو 145.5 مليار دولار، وبزيادة تصل إلى 23 مليار دولار خلال عام واحد، حيث كانت قد سجلت في مارس2021 نحو 134.8 مليار دولار.
كما تأتى عودة اللجوء لصندوق النقد الدولي في توقيت إرتفع فيه حجم الديون المصرية قصيرة الأجل في نهاية مارس الماضى إلى 26.4 مليار دولار، بزيادة بلغت 13.6 مليار دولار خلال 3 أشهر، حيث كانت قد سجلت في نهاية ديسمبر الماضي نحو 12.8 مليار دولار، فى الوقت الذى تحتاج فيه البلاد أيضا لسيولة هائلة من النقد الأجنبي لتغطية متطلبات البلاد من السلع الأساسية، والمضى في خطة التنمية.
الواقع على الأرض طبقا لما ورد في تقرير جولدمان ساكس الذي يعد أحد أضخم البنوك الاستثمارية فى العالم يؤكد حاجة مصر إلى نحو 15 مليار دولار من صندوق النقد، فى حين يرى الصندوق أن الاقتصاد المصري مايزال عرضه للصدمات الخارجية بسبب أعباء الديون المرتفعة ومتطلبات التمويل الضخمة، مما يحتم إجراء إصلاحات هيكلية تعزز من قدرات البلاد الاقتصادية، من بينها جعل العملة المحلية أكثر مرونة في مواجهة الدولار.
كما يقول الواقع أن مصر تحتاج إلى تعزيز الاحتياطي النقد الأجنبي الذى تراجع خلال النصف الأول من العام الحالي بنحو 7.6 مليار دولار ليسجل 33.38 مليار دولار، إلى جانب الوفاء بالتزامات خدمة الديون، وتوفير احتياجات البلاد من السلع الأساسية، والمضي في خطة التنمية، مما يعزز من احتمال الرضوخ لشروط صندوق النقد وتلبية شروطه، ومن بينها إجراء خفض جديد لقيمة العملة يتماشى وتقيم المؤسسات المالية الدولية والقيمة الحقيقة للجنيه بالأسواق العالمية، والتى تتراوح طبقا لتوقعات المتخصصين بين 21.5 و22 جنيها فى مقابل الدولار الواحد.
كل المؤشرات تؤكد أن الجنيه المصري سيشهد خلال الأيام القليلة القادمة انخفاضا تدريجيا متعمدا ومدعوما بتوجيهات حكومية استجابة لشروط صندوق النقد، غير أن الحكومة رأت في خطوة التعويم والخفض المباشرة للجنيه مجازفة، ستؤدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وإحداث قفزة فى أسعار السلع في الأسواق المصرية، ولذا فضلت القيام بتحريك قيمة الجنيه بشكل تدريجى إلى أن يصل للحد الذى يراه الصندوق معادلا لقيمته الحقيقية في الأسواق العالمية، نسأل الله لنا ولكم وللجنيه المصري العافية.. وكفى.