ناس مستفزة.. ودواعي الحذر
لا يجب أن تمر الظواهر الاجتماعية التي يعيشها المصريون في العقدين الأخيرين، دون أن تخضع للدراسة العملية المتأنية، تبحث وتؤصل وتحدد أسباب التغير الاجتماعي العنيف، وتضع التوصيات المناسبة للعلاج. علاج المجتمعات ليس كعلاج الفرد الواحد. علاج المجتمع يحتاج سنوات كي يستعيد عافيته النفسية والأخلاقية. لابد أن نواجه أنفسنا بصراحة، نعترف مع كل فجور في القتل أو السفه الاجتماعي، أن الناس مريضة. من أعراض المرض العام انفصام الشخصية المصرية، فهى تمارس الشئ ونقيضه، بسلاسة وبلا مراجعة، صلاة الفجر مع أذان الفجر، لكن الغش في الامتحانات، والمغالاة في الأسعار، وانتهاك العلاقات الاجتماعية، يرونها تحايلا على الحياة.
لن نشخص الميت فهو ميت، ولن نشخص المحتضر فهو يحتضر، ولكن سندعو الا يموت المزيد والا يحتضر المزيد، ويمكن الإنقاذ ببدء عملية إصلاح اجتماعي واجبة وآنية. سلسلة المذابح التي تعرضت لها طالبات وسيدات لمجرد أنهن رفضن قلب شاب أو رجل، المبالغة السافلة في الانفاق السفيه في قري الساحل الشمالي، وضع المجتمع في مأزق نفسي. ناس تقتل لأنها تحب ومن تحبه ترفضه؛ فيقضي عليها، فكيف هو حب أساسا؟ كيف تقتل من تحب وهو عمرك وقلبك وحياتك؟ غير طبيعي تبرير القتل لأنه أحب فرفضته!
غير طبيعي أيضا ما يفعله قطاع من أغنياء البلد بالمنتجعات السياحية، تلك الحفلات الماجنة والأغاني الخليعة والإسراف في التعري، وممارسة البلطجة، والمبالغة في الأسعار، لص يسرق من يظنه لصا لأنه يراه يبدد ويعربد! حفلات النهار والليل جعلت الناس يتأملون حالهم وسط هؤلاء اللاهين المترفين، إن الأغلبية الكاسحة من الشعب المصرى تعانى الفاقة والعوز، وحتى الطبقة المتوسطة تلفظ أنفاسها الأخيرة.. وهنا مكمن الخطر الحقيقي.
قبل يومين شاهدت للمرة الثانية فيلما بعنوان الثورة الفرنسية، يقع في جزءين طويلين، الأول عن دواعي الثورة، الجوع ! كان عنوان الجزء الأول سنوات الأمل، أما الجزء الثاني فعنوانه سنوات الرعب والإرهاب، حين اقتحمت النساء قصر لويس السادس عشر، فقالت إحداهن وهى تسقط مغشيا عليها من شدة الجوع: الخبز! كانت الطبقة الارستقراطية ماجنة لاهية، وكانت ماري انطوانيت زوجة الملك سادرة في غيها ولهوها وقمارها حتى افلست الخزانة، والشعب يصرخ.. في الجزء الثاني من الفيلم كانت المقصلة هي الرد!
سفور الطبقة الغنية سفورا مستفزا ليس في صالحها على الاطلاق، ولا يجوز أن يفهم أحد أننا ضد الأغنياء، لكن ضد سلوكيات نفر بعائلاتهم وأولادهم، يقدمون للمجتمع كل دواعي الاحتقان. حين يخرج الناس إلى الشوارع، فإن الذي يخرج ليس البشر بعقولهم، بل الشر بجنونه!
ما يحدث في مناطق من الساحل الشمالي، استفزاز صارخ للمجتمع، وانفصال عن أوجاع الناس، ولا نطالب أحدًا بأن يلطم مع اللاطمين ولا ينام مقهورا حزينا يعاني فاتورة الكهرباء ولا الدواء، بل نطالب هؤلاء أن يفهموا أنهم سيعاقبون أنفسهم بما يفعلونه من سفه ومجون. على الطبقة الفاجرة أن تلم ثيابها على عوراتها فالناس في غليان. شيء مثل هذا كتبته ونبهت قبيل أحداث ٢٥يناير قبل عشر سنوات، ومازلنا ندفع الثمن، وهم سادرون!