لماذا ينخفض وسينخفض الجنيه؟
لو أنت رب أسرة منظم جدا مثل هؤلاء ممن يرتدون طاقم الجلباب والطاقية في الأفلام القديمة فإنك ربما تسجل كل مصروفات بيتك.. لنفسك ولزوجتك وللأبناء.. لتعرف رأسك من أقدامك في آخر الشهر.. الدول -كل الدول الحديثة- منظمة بالضرورة.. لذلك تسجل كل معاملات سكانها وغيرهم من المقيمين على أرضها مع كل البلاد الأخرى.. سواء كانت هذه المعاملات للأفراد أو للشركات أو لها هي نفسها من خلال الحكومة ومؤسساتها.. هذا السجل هو ما يسمونه في مساحة مهمة منه ب ميزان المدفوعات!
ميزان المدفوعات يكون مختلا عندما تكون -وباختصار شديد جدا- الواردات التي تدخل البلد أكثر من الصادرات التي تخرج منه.. هذا الفارق بين الصادرات والواردات يسمي ب العجز في ميزان المدفوعات!
كثير من الدول تستخدم قيمة عملتها للسيطرة علي هذا العجز.. وتقرر بإرادة جهازها المصرفي تخفيض قيمة العملة -باعتبارها أداة التعامل التجاري الدولي- أو تساهم في تخفيضها.. وذلك لتحصل علي نتيجتين.. الأولي يقل الاستيراد.. لأنه سيتم بتكلفة أعلي ولسلع ربما سيصعب بيعها لإرتفاع قيمتها بعد تخفيض العملة.. والعكس في الصادرات.. ستكون قدرة الدول الأخري وشركاتها وأفرادها شراء سلع هذه الدولة.. لإنها أصبحت بالنسبة لهم أرخص!
التضخم والاستثمار
بهذه الطريقة ينضبط الميزان التجاري أو علي الأقل يقل عجزه ويقل الضغط علي ميزان المدفوعات وتتفرغ الدولة لتوفير التزاماتها الأخري ومنها فلوس أقساط الديون! لذلك.. ومثل رفع او تخفيض سعر الفائدة في السيطرة علي التضخم وإرتفاع الأسعار يلعب أيضا رفع أو تخفيض قيمة العملة دورا في السيطرة علي الميزان التجاري.. ولا يعني ذلك أبدا إنهيارا اقتصاديا..
علما بأن رفع الفائدة للسيطرة علي التضخم يخفض الاستثمار وهذا أيضا يخفض فرص العمل ولكن الدولة رتبت اولوياتها لمواجهة التضخم! وهكذا! الصين مثلا خفضت قيمة عملتها مرات عديدة في الماضي المنظور.. منها ٣ مرات -حتة واحدة- في ٣ أيام في أغسطس ٢٠١٥! وآخرها تخفيض قيمة اليوان في إبريل الماضي وكذك في ٢٠١٩! ولا أحد تحدث ولا يتحدث ولا سيتحدث عن انهيار اليوان!
إعلام الشر يتحول أحيانا إلي الكوميديا بسبب الجهل بالأمور.. ولذلك قررنا تبسيط القصة لشعبنا حتي يعرف معني ما يجري ومعني حديث البنك المركزي قبل أيام عن عجز ميزان المدفوعات وليفهم لماذا قرر الرئيس السيسي قبل أيام الإعلان عن أكبر مصانع البولي إيثلين تحديدا وقلنا علي شاشة دي ام سي -الثلاثاء الماضي وقبل إعلان البنك المركزي- أن الرئيس يريد توفير إحتياج مهم من خلال مادة مهمة تدخل في تصنيع عشرات الصناعات محليا ليوفر قيمة استيرادها بل ويستفيد من تصدير الفائض وبالتالي إحداث الإنضباط في ميزان المدفوعات!
الحكاية حكاية أولويات للدولة في لحظة معينة.. هذا بتبسيط شديد.. لرغبتنا أن يستوعب البسطاء وغير المتخصصين الموضوع كله.. ولا نتركهم لإعلام الشيطان!