شجاعة قاض تحدى الملك فؤاد في إحدى قضايا أولاد الذوات
قضية شهيرة تداولتها المحاكم في عشرينات القرن الماضى، إن دلت على شيء فهى تدل على شجاعة ونزاهة قضاة زمان فى سبيل إرساء القواعد الشرعية ويصل بهم الأمر بالتضحية بمستقبلهم، ففى مجلة المصور فى أغسطس عام 1932 وبمناسبة الإعلان عن عرض فيلم أولاد الذوات نشرت موضوعا عن قصة جناية قتل حدثت في يوليو عام 1923 وتقرر بدء تحويلها إلى فيلم سينمائى.
القصة تحكى عن موقف جرئ صدر من قاض مصري استطاع مواجهة السلطات في سبيل حكم قضائى تحدى به الملك فؤاد في قضية قام بنظرها أمام محكمة الجنايات.
قتل على بك فهمى
القضية هي جناية قتل وقعت عام 1923 بفندق سافوى بلندن، وكان القتيل هو على كامل فهمى بك ابن الثري المصري علي باشا فهمي الذي كان يملك مساحة كبيرة جدا من الأرض الزراعية في المنيا.
وقد مات الوالد علي فهمي وترك أكثر ثروته الزراعية لابنه على كامل فهمي الذي كان قد تعرف على الفرنسية الشابة الجميلة "مارجريت ميللر" فهام بها ودعاها وهو في الثانية والعشرين من عمره إلى زيارة مصر، وبالفعل جاءت ورأت من آثار غناه والثراء والترف الذي يتقلب فيه مدعاة إلى قبول الزواج منه، وأقامت في القصر الذى يمتلكه بالزمالك ـ قصر عائشة فهمى حاليا ـ
خيانة ونهاية سريعة
وحدث أن سافر على بك فهمى وزوجته الفرنسية إلى لندن وكانا ينزلان في فندق سافوي بالعاصمة البريطانية لندن حين نشب بينهما شجار، وفقدت مارجريت صوابها وقامت بإطلاق ثلاث رصاصات عليه فهوى قتيلا بعدما واجهها بخيانتها له، لتتحول القصة إلى قضية رأى عام عالمى.
براءة القاتلة
ويترافع عن القاتلة المحامي الإنجليزي السير مارشال مول، ألمع المحامين في العالم آنذاك، بدأت جلسات المحاكمة في ردهات محكمة أولد بيلي في قلب لندن، وراح المحامي يسوق الأدلة على فظاظة الزوج الذى أذاق زوجته الجميلة الويلات، وأن موكلته فعلت ما فعلته دفاعًا عن نفسها أمام زوج "شرقي متخلف"، ليتحول الأمر من شجار بين زوجين إلى صراع بين عادات الشرق التي وصفها بالمتخلفة والغرب المتحضرة، فيحصل لها على البراءة بعد أيام من المداولات في المحكمة.
جاءت ميللر إلى مصر ومعها حكم محكمة جنايات لندن ببراءتها، لتطالب بنصيبها في تركة زوجها الذي قتلته بيديها، مدعية أنها كانت حاملا من البرنس، وأحضرت شهادة ميلاد مزورة لطفل زعمت أنه مات بعد ولادته بأسابيع، لكن حيلتها انكشفت وأقيمت دعاوى قضائية متبادلة بين الورثة شقيقات القتيل والقاتلة.
عرضت القضية على المحكمة العليا الشرعية برئاسة الشيخ طه حبيب والسيد أنور حبيب، ورفض الشيخ طه حبيب أن يحكم بميراث مارجريت قاتلة زوجها لأن محكمة لندن برأتها بالرغم من أنها مضبوطة بآلة قتل في يدها..لا لأن الدليل ضدها ضعيفا ولكن لأن القاتلة أوروبية والقتيل مصري فلم تمثل بالحكم ورفضت المحكمة طلب الزوجة الأجنبية في الميراث حتى مؤخر الصداق ليس لها حق فيه، فهناك قاعدة شرعية قانونية في مصر بأن القاتل ليس له حق في إرث المقتول.
وكان الملك فؤاد الأول ملك مصر وقتئذ يريد الحكم لها بربع التركة رغبة في إرضاء الإنجليز والمندوب السامي البريطاني فطلب صراحة من الشيخ طه حبيب أن يقبل دعوى مارجريت حتى ترث، لكن رفض القاضي الشرعي الشيخ طه حبيب الشجاع طلب الملك وأصر على موقفه.. فكان أن عزله الملك من القضاء.
أولاد الذوات
بعد الحكم في هذه القضية وما حققه من صدى واسع أخذ الفنان يوسف وهبى وكان متزوجا من شقيقة القتيل القصة وصنع منها فيلما باسم " أولاد الذوات " من إخراج محمد كريم وبطولة يوسف وهبى وأنور وجدى ودولت أبيض وأمينة رزق وعرض بسينما مصر عام 1932 وكان هذا الفيلم بداية السينما الناطقة.