روحه تعلقت بها.. حكاية عم رمضان مع 60 عاما في "تبييض النحاس"|فيديو وصور
في داخل حارة الصالحية بشارع المعز لدين الله الفاطمي، ثمة أصوات تأتيك من بعيد تستدل بها على أنك اقتربت من مكان يحمل رائحة وبقايا الماضي البعيد، حينما كانت مهنة "تبييض النحاس" واحدة من أهم المهن التي يعتمد عليها قطاع كبير من أبناء الجمالية وما يحيطها، فاليوم تقف ورشة "عم رمضان هاشم" صامدة أمام تغيرات الزمن وتقلباته فحتى وإن توارت واندثرت تلك المهنة منذ عدة سنوات فإنها في هذا المكان خافت الضوء محدود المساحة كما هي.
لهذا الرجل صاحب السبعين عاما حكاية تعود لأكثر من ستين عاما حينما كان في عامه العاشر وقرر والده أن ينتقل من محل سكنهم بجنوب مصر إلى القاهرة، فكان المستقر في مصر القديمة، التحق الابن للعمل في إحدى ورش تلميع الأواني النحاسية والفضية تلك التي كانت رائجة في ذلك الوقت، ابن عشر سنوات يجرب ويفشل ثم يجرب مرة أخرى فينجح.
"أنا فاكر هي مرة غلطت في الشغل والاسطى في الشغل عنفني جامد ومن وقتها اتعلمت الصنعة هي بتيجي كدة" يتحدث عم رمضان، فمنذ هذا اليوم لم يترك هذا الرجل عمله ولو ليوم واحد بالرغم من طبيعته الشاقة التي لا تتناسب مع تقدمه في العمر
"الشغلانة دي روحي مش هسيبها إلا لما اموت" تصف هذه الجملة علاقة عم رمضان بمهنة تبييض النحاس تلك التي مازالت على حالها بالرغم من التطور الذي شهدته هذه الصناعة"أنا لسه بستخدم الطريقة القديمة في الشغل ويمكن ده اللي مخلي الزبائن متمسكين بي لأنها دقيقة أكتر وبتخرج الشغل مظبوط، هذا ما يظنه العم رمضان ولخوفه من أن تندثر المهنة بعد أن رحل الكثير من أرباب الحرفة عن ورشهم بموت البعض أو العزوف عن المهنة وتغييرها، قرر أن يعلم ابنه الأكبر للمهنة فتشربها الابن بدوره، فتدخل إلى الورشة لتجد الابن إلى جوار أبيه، يملأ الغبار الرمادي الذي تخلفه الأواني بعد تلميعها وجهيهما، لا تستطيع أن تتبين معالم الورشة ولكن لا يمكنك أن تخطئ هذه الجلسة التي يحرص خلالها الأب على ألا يترك الابن صغيرة أو كبيرة في تلك الحرفة إلا واتقنها.
تعرفنا أكثر وعن قرب على حكاية عم رمضان، زبائنه الذين يأتون إليه من مناطق متعددة من الزمالك والمعادي ومصر الجديدة وغيرهم، وحتى زبائنه من الدول العربية، فنون تبييض النحاس التي تشربها، وكميات المواد التي يخلطها بالمياه لتخرج له النسبة مضبوطة بدقة متناهية ومهارة رجل لم يكمل حتى مراحل تعليمه.