تسريح المبدعين
مقهور من جوايا على أحوال جيلي ومش عايز أموت ومش معايا تمن العلاج، هذه الجملة قالها الفنان خالد زكي، وربما قالها غيره، وربما يخجل من قولها الكثيرون، خالد زكي نموذج للعديد من الفناين وكتاب الدراما والمخرجين والمطربين وكل العاملين في قوة مصر الناعمة الذين وجدوا أنفسهم خارج نطاق الخدمة، وكأن مجالات الإبداع في قوة مصر الناعمة أغلقت على مجموعة بعينها، يتم تدويرها في كل الأعمال ليتم تسريح الآلاف من المبدعين، وهو ما يؤكد أن هناك أزمة حقيقية في إدارة فنون الإبداع في مصر.
هذه الأزمة جعلت العديد من العاملين في مجالات السينما والتليفزيون والمسرح والغناء يرضخون لشروط من وجد في الفن المصري والفنانين ثروة، فعزم على نقلها إلى مكان آخر، ليجرد مصر من ميزة عمرها أكثر من مئة عام، فالقاهرة عاصمة الفن، ومنها تم تصدير اللهجة المصرية لتكون الأهم في المنطقة العربية، ويكون الفنان المصري الأكثر شهرة حتى من بعض الحكام.
إختفاء القوة الناعمة
أزمة إدارة الفن في مصر ظهرت مع إختفاء دور قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، وكلاهما تابع لإتحاد الإذاعة والتليفزيون، القطاع والشركة كانا خليتين من النحل، العمل بهما مستمر طوال العام، ومنهما خرجت أكبر الأعمال الدرامية، وأتذكر أن دراما رمضان كانت تتنافس على شرائها الدول العربية، وكنت شاهدًا على جولات للمسئولين في ماسبيرو بين أماكن تصوير الأعمال الدرامية لتحفيز الفنانين على سرعة الإنتهاء منها، وأتذكر أن بعض الدول العربية كان يصلها حلقات المسلسلات في نفس يوم تصويرها.
هذه الغزارة في إنتاج الدراما لقطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة بالإضافة إلى الشركات الخاصة كانت مصدرًا للعملة الصعبة، وكانت الضمانة الحقيقية لحفظ كرامة الفنان المصري بتوفير فرص العمل له، هذا إلى جانب الإنتاج الغنائي الذي إنفردت به شركة صوت القاهرة لكبار المطربين المصريين والعرب، وحفلات ليالي أضواء المدينة التي كانت تنظمها الإذاعة بقيادة الراحل وجدي الحكيم، وليالي التليفزيون التي كان ينظمها قطاع التليفزيون بقيادة الراحلة سهير الأتربي. ولا ننسى الأعمال الدرامية التاريخية والوطنية التي أنتجها قطاع الإنتاج مثل ناصر ٥٦ وأيام السادات والطريق إلى إيلات والدراما الدينية التي أثرت عقل ووجدان كل العرب.
إختفى قطاع الإنتاج في ظروف غامضة، وإختفت شركة صوت القاهرة، وإختفت أضواء المدينة وليالي التليفزيون، وإختفى الدور الفاعل لإتحاد الإذاعة والتليفزيون، إختفت كل جهات إنتاج قوة مصر الناعمة، لتظهر جهات أخرى خارجية تسير على نهج مصر، تنظم المهرجانات الغنائية والمسرحية، وتستقطب الفنانين بشروطها، لنكتفي نحن بنظام الشللية الذي ضرب كل مجالات الإبداع في مقتل، وأفرز بطالة في المبدعين وأهدر كرامة بعض الفنانين.
besheerhassan7@gmail.com