د. محمود فوزي يكتب: فوضى الترند وانعدام الوعي
صارت منصات الإعلام الرقمي سلاحا ذا حدين؛ ففي الوقت الذي تفجر فيه كبري الموضوعات والمشكلات الاجتماعية؛ بل وتحولها لقضايا رأي عام؛ من خلال استغلال قدراتها الفائقة علي اختراق الحدود الجغرافية والزمنية، واستخدام المؤثرات السمعية والبصرية والوسائط الإعلامية المختلفة التي يمكنها تجسيد ثنايا المجتمع ونقل الوقائع والأحداث بأسلوب جذاب ومؤثر يهيمن على عقول المشاهدين؛ كما في واقعة سفاح الإسماعيلية، ثم قاتل الطالبة نيرة والموقعة المرتقبة بين محاميين مشهورين، والخلافات التي وصلت للشرشحة بين فنانين، ثم مقاطعة سيد عبد الحفيظ للممر الشرفي للزمالك، ومن قبلهم بسنوات رقصة "كيكي" وزيجات رجل أعمال المتوازية مع زيجات داعية؛ وحكاية عمرو دياب مع دينا الشربيني؛ وغيرها الكثير والكثير من المشاهد التي نجحت شبكات التواصل الاجتماعي في إثارة حالة عامة من الجدل والنقاش المبالغ والمفتعل حولها؛ بين كلا الطرفين المؤيد والمعارض، المتعاطف والمتعصب، الساخر والجاد، الموضوعي والمتحيز.
إلا أن الوجه الآخر لهذه المنصات الإلكترونية يكمن في كونها واقعًا افتراضيًا قد لا يمت للواقع بصلة، فمن الصعب إدراك الحقيقة المطلقة والمؤكدة في أغلب هذه الوقائع، أو إدراك هوية الجهة المسئولة عن تسليط الضوء على هذه الظواهر وطرحها في فترة زمنية معينة كي تصبح "تريند" يتناقله الجمهور، هل لأغراض توعوية تثقيفية؟ أم لأغراض سياسية؟ أم لأغراض دعائية خبيثة؟ أم لأغراض أخري مبتذلة يتبناها دعاة التحرر من القيم؟!
متصفحي شبكات التواصل
ومع تزايد حدة الصراع بين وجهي القمر الساطع والخافت لمتصفحي شبكات التواصل الاجتماعي؛ فقد ظهر اتجاه آخر محايد يرفض الخضوع لثمة احتمال قائم علي الوهم والخداع، لذا فهو يتبني ضربًا من ضروب التفكير يثور علي كل ما هو شائع داخل هذا المجتمع الافتراضي غير الواقعي؛ وهم المتصفحون لأغراض العمل، وإبرام الصفقات، وعقد المؤتمرات والفعاليات واجتماعات العمل الرقمية، وتصفح الأخبار بوسائط الإعلام الإلكترونية؛ وغيرها من الأهداف الخبرية والتثقيفية؛ رافضين الخضوع لأي محاولة انسياق خلف تيار "التريند الإلكتروني" بما يحمله من حقائق ومعلومات أو أكاذيب ومغالطات.
سيشهد الإعلام الرقمي بلاشك مستجدات تكنولوجية متلاحقة، وستؤثر هذه التطورات علي شكل المحتوي وأسلوب تقديم الرسالة، لكن يبقي الرهان كامنًا في عقلك أنت عزيزي القارئ؛ أنت وحدك من تقرر الانجراف خلف "التريند المصطنع" والانغماس فيما يثيره من جدل وبلبلة؛ أنت أحد أطرافها دون أن تشعر!!
أم ستدرك بحكمتك ووعيك وثقافتك هوية "التريند" الحقيقي، بل وتميزه عن الزائف؛ فترتقي بنفسك عن الانخراط في مستنقعات "التحفيل الكروي" المكتظة بعبارات وإشارات التهكم والسخرية والازدراء التي ترفضها الأديان والقيم الأخلاقية الأصيلة؛ كما ستنحي نفسك جانبًا عن الانغماس في حلقات النميمة حول أخبار الفنانين وزيجاتهم وملابسهم؛ تاركًا لفطرتك السليمة وعقلك الموضوعي حرية ترتيب الأولويات، ومن ثم إعداد أجندة فكرية من القضايا والموضوعات؛ التي يتقدم فيها المهم علي السطحي... الحقيقي علي المصطنع...الموضوعي علي المتحيز.