الهجرة إلي الإسلام !
كان يمكنه عليه الصلاة والسلام أن يرفع يديه إلى السماء ويطلب من رب العزة أن يريحه من ظلم قريش وأن تنقله الملائكة من مكة إلى المدينة مباشرة وفي غمضة عين.. لكنه لم يفعل.. واعتقادنا أنه -عليه الصلاة والسلام- أدرك طبيعة الرسالة السماوية الأخيرة والتي هي بلا معجزات حسية كالتي منحت للأنبياء موسى وعيسى عليهما السلام.. وأنه قد حان وقت الأخذ بالأسباب ومنطق الأمور لتحكم حياة البشرية وحتى قيام الساعة!
هنا -في يوم الهجرة- حيث التخطيط الشامل دون ترك أي شيء للصدفة.. حيث خطة الخداع الكبير.. وحيث لكل شيء سبب ولكل خطوة مبررها ولكل مهمة من يقوم بها.. فهذا عامر بن فهيرة المسئول عن إزالة آثار السير في الصحراء وهو ما يعادل تعطيل أجهزة الرادار أو لتشويش عليها.. وهذا عبد الله بن أريقط دليل الهجرة والخبير بدروب الصحراء والطرق الوعرة بين مكة والمدينة والمسئول عن خرائط العبور والمرور وهو ما يعادل ال "جي بي اس" اليوم..
رسائل الهجرة
وهذه أسماء بنت أبي بكر مسئولة الإمداد والتموين وحتي تنتهي الأيام الأولي وفيها عملية الخداع.. فالمدينة تقع إلي الشمال من مكة.. ولكن إنطلق مسار الهجرة إلي الجنوب كعملية تمويه وتضليل كبيرة حيرت رجال قريش وأرهقتهم وبعد التأكد من ذلك من خلال عيون الرصد داخل مكة عادت رحلة الهجرة إلي مسارها الطبيعي إلي الشمال لتصل إلي المدينة بسلام!
الرسائل التي نفهمها أن الأخذ بالأسباب والمنطق أساس كل شئ وأنه لا مهام كبري بلا تخطيط وأن لتوزيع المهام قواعده وأصوله وإن اختلاف العقيدة لا يمنع من الاستعانة بأهل الخبرة والإختصاص.. وأن الأمر هنا يخضع للموضوعية والأصل فيها شرطان.. أن يكون الشخص مؤتمنا وأن يكون متخصصا في مجاله حتي لو كان مخالفا في العقيدة!
دروس في التخطيط الإدارة والعسكرية والمواطنة خصوصا بعد الوصول إلي المدينة ولم يكن أغلبها علي دين الإسلام بل كان العكس هو الصحيح.. ورغم ذلك تصبح كلها دار سلام الحياة بها للجميع.. وتبدأ عمليات استراتيجية وأمنية فيها بعمليتين كبيرتين.. المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار -لا مثيل لها إلي اليوم-.. والثانية الصلح بين الأوس والخزرج..
أثناء ذلك تتسع الدعوة وتكبر قوة المسلمين لتكون جاهزة لشروط بناء الدولة ومن بينها القدرة علي صد العدوان فكانت موقعة بدر وما بعدها مما نعرفه وتعرفونه!
إنه الإسلام كما نعرفه.. دين العقل والعلم والمدنية.. ندعو الله أن تأتي الهجرة وقد هاجرنا إلي قيم ديننا العظيم!