الحكومة تشحن بطارياتها لمواجهة التضخم.. وقرارات صعبة في مواجهة الأزمات العالمية
لم يكن سهلًا على الحكومة التصدي للأزمات وتحميل الشارع جزءًا من المواجهة، لكن هذا ما حدث؛ إذ أدى تطبيق قرار لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية إلى رفع أسعار البنزين والسولار والمازوت والتى بلغت ٥٠ قرشا للسولار والبنزين ٨٢ و٩٢ وزيادة جنيه للبنزين ٩٥، ما أثار بعض التخوفات من انعكاس ذلك على ارتفاع جديد في أسعار السلع بالأسواق خلال الفترة المقبلة.
وتعاني الدولة المصرية على مدار العامين الماضيين من عدة أزمات، بدأت من انتشار فيروس كورونا، مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية، حتى وصلت إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى أرقام قياسية، مما جعل الحكومة تضطر إلى إصدار عدد من القرارات الصعبة لمواجهة هذه الأزمات وحماية المواطنين من آثارها، ومواجهة زيادة الأسعار بعد رفع أسعار الوقود.
ويكشف عدد من خبراء الاقتصاد عن جدوى إجراءات الحكومة لخفض التضخم، ومواجهة زيادة الأسعار بعد رفع أسعار الوقود، هذا بالإضافة إلى المقترحات التي تركز على مواجهة الأزمات التي تمر بها البلاد خلال الفترة الحالية، والمطالبات الخاصة بالحكومة للنهوض بالاقتصاد المصري، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
الأزمات الاقتصادية
يقول الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي: إن الدولة المصرية تعاني مثل كافة دول العالم من الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، مؤكدًا على أن الاقتصاد المصري قادر على مواجهة الأزمات الحالية، ولكن من المهم أن يكون لدى الحكومة رؤية مستقبلية حتى لا يتم استهلاك موارد الدولة في مواجهة التحديات المتتالية التي يتعرض لها الاقتصاد.
وأوضح "الشافعي"، أن استمرار الاستثمارات الأجنبية والخليجية المباشرة على مصر تشير إلى أن الاقتصاد المصري لديه القدرة على جذب الاستثمارات، مضيفًا أن هذا الأمر يتزامن مع الخطط الحكومية التي تبنتها الدولة في برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي يستهدف رفع معدلات النمو وتنفيذ كافة الإصلاحات التشريعية والإجرائية وتطوير البنية التحتية لخلق مناخ جاذب للاستثمارات.
وأشار إلى أن هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد مدى قدرة أداء الاقتصاد المصري على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية المتتالية، والتي بدأت من انتشار فيروس كورونا، مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع معدلات التضخم.
وعن المطالب من الحكومة، قال محمد إسماعيل عبده، رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية بالقاهرة: إن هناك العديد من المطالب التي يرغب فيها رجال الأعمال وأصحاب الشركات، من الحكومة، والتي تأتي في مقدمتها الملفات الاقتصادية التي تركز على المواطنين من أصحاب الدخل المتوسط، وهذا من خلال العمل على توفير العديد من فرص العمل المناسبة لهم، في ظل الأزمات المتتالية التي يعانون منها، بجانب العمل على دعم وتشجيع الصناعة المحلية، للمساهمة في توطين الصناعات المختلفة، والحد من معدلات الاستيراد من الخارج.
وأضاف "عبده" في تصريحات خاصة لـ"فيتو"، أن مشكلة الفقر والبطالة من أكثر المشاكل التي تعاني منها الدولة في الفترة الحالية، مشيرًا إلى أنه بالرغم من محاربتها على مدار عشرات السنوات إلا أنه لم يتم الوصول إلى حل جذري لها، مطالبًا بضرورة إيجاد حلول مناسبة للحد من هذه الظاهرة التي تأكل في الاقتصاد، بالإضافة إلى مشاركة القطاع الخاص في عمل العديد من المشروعات أو الجمعيات الخيرية لدعم المواطنين الفقراء وأصحاب الدخل الضعيف.
وأوضح، أن استمرار الحرب لفترة طويلة سوف يتسبب في ارتفاعات أكبر بالأسعار ومزيد من التضخم يؤدي إلى كساد اقتصادي في مصر وبقية العالم، مما ينعكس على مزيد من الضغوط على الجنيه المصري، لافتا إلى أن رفع سعر الفائدة من الحلول المؤقتة لكبح جماح التضخم، ولكن الدولة تحتاج إلى رؤية متكاملة للمشاكل التي تعاني منها لإيجاد الحلول المناسبة لها للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر.
خفض التضخم
وأكد على أن إجراءات الحكومة مناسبة لخفض التضخم، ولكن يجب أن تكون هناك رؤية واضحة يتم من خلالها العمل على خفض نسبة التضخم تدريجيا، ومواجهة زيادة الأسعار بعد رفع أسعار الوقود، مشيرا إلى أن قرارات الحكومة بشأن ضبط الأسواق مناسبة بعد ارتفاع أسعار البنزين والسولار، ولكن يجب أن تكون هناك رقابة مستمرة على الأسواق حتى لا يسمح بوجود أي تلاعب فيها.
ومن جانبه قال أحمد معطي، الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة لـ"فيتو": إن العديد من الدول تعاني من عدة أزمات، ويأتي من أبرزها ارتفاع الديون، مشيرًا إلى أن نسبة الزيادة في الديون سجلت حوالي 256% عالميًّا مقارنة بالعام الماضي، مؤكدًا على ضرورة وجود تكاتف من الجميع لتجاوز الأزمات التي تمر بها البلاد خلال الفترة الحالية، والتصدي للأزمات المستقبلية، مشيرًا إلى أن مصر تسير في ملف إدارة الديون بشكل مميز، مؤكدا على أن مسألة الديون لا تسبب أزمة كبيرة في مصر طالما أن هناك ارتفاعًا في نسبة الناتج المحلي الإجمالي.
وفي نفس السياق، قال أشرف غراب الخبير الاقتصادي: إن القرارات التي تتخذها الحكومة بشأن أسعار الفائدة جاءت نتيجة مواجهة معدلات التضخم العالمية التي تعرضت لها البلاد، مشيرا إلى أن هذا الأمر تقوم به الحكومة لمعادلة الموجة بعد قرارات الفيدرالي الأمريكي، والمساهمة في الحفاظ على الأموال الساخنة، والحد من عدم خروج الاستثمارات الأجنبية، وامتصاص السيولة والحفاظ على جاذبية الأصول المحلية.
وأكد "غراب"، على أن الحكومة تقوم بالعديد من الخطوات التي يتم من خلالها تخفيف الضغط على العملة الأجنبية، واستقرار سعر الصرف ومواجهة معدل التضخم، مشددا على أن الاقتصاد يتمتع بصلابة عالية نتيجة الإصلاحات الاقتصادية على مدار السنوات الأخيرة، وبناء الدولة عددا ضخما من المشروعات القومية التي ساعدت في التحول من الاقتصاد النقدي للاقتصاد الحقيقي.
وأوضح أن هناك العديد من الاقتصادات العالمية، اعتمدت على نظام الاقتصاد الريعي، وهو الذي يتأثر بشكل كبير بكافة الأزمات العالمية، لافتا إلى أن مصر حرصت على اتباع سياسات نقدية ساعدتها في تعزيز كفاءة الاقتصاد، من خلال إنتاج سلع وخدمات للمساهمة في زيادة الناتج المحلي وخفض نسبة الاستيراد من الخارج.
وأشار إلى أن البنك المركزي، حرص خلال الفترة الماضية على رفع أسعار الفائدة، حتى يتمكن من الحفاظ على استمرار تدفق الأموال الساخنة، والتي تتمثل في الاستثمارات الأجنبية، للحفاظ على توافر العملة الصعبة ودعم الجنيه المصري.
من ناحيته، يرى الدكتور يسري الشرقاوي رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة EABA، أن الحكومة تحاول جاهدة قدر المستطاع إلى امتصاص الموجة التضخمية العالمية، وآثار الأزمة الروسية الأوكرانية، وأن ما يُتخذ من إجراءات خلال الأسبوع الماضي بشكل احترازي واستباقي لمواجهة هذه الأزمات ربما يكون جيدا في حماية الطبقات المجتمعية ودعم ثبات الموقف لدى هذه الطبقات في مواجهة الأزمات، وتقليل التأثير الواقع عليها.
مؤشرات مستقبلية
وأضاف رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة EABA، لـ "فيتو"، أنه لا يوجد أي تنبؤات بالأسوأ، في ظل هذه الأزمة الطاحنة عالميًّا، نتيجة إنتاج مشروع النظام العالمي الجديد الذي يتأثر به جميع المجتمعات بكل فئاتها.
وتابع "الشرقاوي": الحوار عن أسلحة جديدة مستخدمة مثل سلاح الأمن الغذائي والصحة العامة، وغيرها يؤثر بالشكل المباشر على فئات المجتمع سواء مصنعين أو تجار أو مجتمع أعمال وحتى على مستوى الأسر والأفراد، وما تجريه الحكومات في الأسواق الناشئة في دول العالم الثالث، ربما تكون إجراءات تحاول من خلالها تقليل حدة الأزمة لكنها لم ترتق بعد إلى المواجهة.
وأشار رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة EABA، إلى أن الحكومة لم تأخذ قرارات بحجم التأثير الحادث لكن في الوجه الآخر لا تستطيع مثل هذه الحكومات أن تفعل أكثر من ذلك حيث إن بعض الآثار ناجمة خارج إطار الدولة.
وطالب الشرقاوي، بوضع خطة قوية للتقشف الحكومي وتشمل مجتمع الأعمال والقطاع الخاص ويصل إلى المجتمع الأسري، مشيرًا إلى أهمية إعادة النظر في بنود وأنظمة الإنفاق كليًّا وجزئيًّا خلال المرحلة المقبلة لخفض فاتورة التكاليف لكل مجريات الحياة بقدر المستطاع.
وأكد أهمية العمل بشكل قريب من المواطن ومحاولة سماع أكبر عدد ممكن من المواطنين والشعب لمشاركته في حل المشكلة، بجانب توسيع قاعدة الحوار الوطني والنزول إلى كل طبقات المجتمع للوصول إلى آلام ومشاكل الناس الاقتصادية.
ومن جانبه، قال عمرو الألفى، خبير أسواق المال: إن الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود تقلل الضغط على الحكومة بعد الزيادة العالمية في أسعار الطاقة والتضخم العالمي، مشيرًا إلى أن زيادة أسعار الوقود في مصر ستقلل بالتبعية عجز الموازنة.
وأضاف خبير أسواق المال لـ"فيتو"، أن زيادة أسعار الوقود ستتسبب في حدوث زيادة جديدة بأسعار معظم السلع والمنتجات الغذائية بجانب زيادة أسعار النقل والمواصلات وارتفاع نسبة التضخم.
وطالب "الألفي" الحكومة بضرورة زيادة التوظيف في مقابل رفع الأسعار، بجانب دعم جمعية رجال الأعمال وزيادة الاستثمارات الداخلية، والمباشرة لتعويض التباطؤ الاقتصادي الذي حدث نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.
نقلًا عن العدد الورقي….