تفاصيل كلمة السيسي خلال مراسم حصوله على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة بلجراد
منحت اليوم جامعة بلجراد، إحدى أهم المؤسسات التعليمية في صربيا، درجة الدكتوراه الفخرية إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وألقي الرئيس السيسي كلمة جاءت تفاصيلها:
اسمحوا لي بدايةً، أن أعرب عن شكري وامتناني الكبيرين، لمنحي درجة الدكتوراه الفخرية، من جامعة بلجراد العريقة، وإنه لمن دواعي الفخر والسعادة، أن أخاطبكم اليوم من فوق هذا المنبر العريق في وسط كوكبة من علماء الجامعة، والشباب الجامعي الصربي الواعد، وفي رحاب جامعة بلجراد الرائدة التي تعد أكبر وأقدم جامعة في صربيا، وترجع نشأتها إلى أكثر من مائتي عام كما يعود الفضل لمساهماتها الفعالة، في نشأة العديد مـن الجامعــات في صربيـا ومنطقة البلقان لتؤدي دورها المنوط بها، في الارتقاء بالمجتمع، من خلال مساهمة أساتذتها وطلابها وخريجيها من النوابغ الصربية، في تطوير الحياة الثقافية والعلمية والتعليمية والسياسية والاقتصادية لدولة صربيا.
إن العلاقات التاريخية الممتدة بين مصر وصربيا، ولا سيما على صعيد حركة عدم الانحياز والتي ساهم الزعماء المؤسسون، وغيرهم من القيادات التاريخية الوطنية الملهمة، في تأسيسها بكل ما لها من قيم ومبادئ، نعتز بها حتى يومنا هذا وتشجع بلدينا على ضرورة استغلال قدراتنا وإمكانياتنا في تحقيق أهدافنا المشتركة ومواجهة تحدياتنا الإقليمية والدولية.
وتؤكد مصر دائمًا، أن المجتمع الدولي بات يواجه تحديات جديدة وناشئة، إضافة إلى التحديات التقليدية وعلى رأسها مسألة تغير المناخ، وبما يمثل تهديدًا حقيقيًا، يواجه المجتمع الدولي، ويتطلب تعاون جميع الدول لمراعاة شواغل بعضها البعض وعلينا جميعًا أن ندرك أن تغير المناخ والزيادة السكانية العالمية، تسرع من وتيرة الأزمة، التي أصبحت تهدد العديد من مناطق العالم.
ومن منطلق حرص مصر، على حشد الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ ستستضيف مصر القمة العالمية للمناخ “COP-٢٧”، والمقرر عقدها في نوفمبر ٢٠٢٢ بمدينة "شرم الشيخ"، وتهدف مصر إلى أن تساهم نتائج القمة، في وضع العالم على الطريق الصحيح، نحو تحويل التعهدات والوعود، إلى تنفيذ فعلي على الأرض سواء فيما يتعلق بجهود خفض الانبعاثات، التي لا زالت لا ترقى إلى المستوى المطلوب خاصة ما يتعلق بمراجعة وتحديث المساهمات المحددة وطنيًا أو فيما يتعلق بجهود دعم الدول النامية، للتكيف مع آثار تغير المناخ أو اتصالًا بحجم تمويل المناخ المـتــاح.
تعتبر ندرة المياه والتصحر والجفاف، من أهم القضايا الإقليمية والدولية المعاصرة، التي تواجه المجتمع الدولي، واتصالًا بمدى أثر هذه الظاهرة على قدرات الشعوب ومستقبلها بل وتعثرها على تحقيق طموحاتها نحو تحقيق التنمية المستدامة والرفاهية لشعوبها، فمن الأهمية التعامل بكل جدية مع هذه الظاهرة من خلال توظيف القدرات الإبداعية لابتكار تقنيات متطورة للاستفادة القصوى من الموارد المائية المتاحة والتصدي لظاهرة تغير المناخ للحيلولة دون توسيع رقعة التصحر والجفاف، حيث أن لا يخفى ما لهذه الظاهرة من تأثير مباشر ليس على الأوضاع الاقتصادية فحسب بل يتعدى ذلك لنطاق الأمن والاستقرار على المستويين الوطني والإقليمي.
من جهة أخرى، فلا بد في إطار إعلاء مبادئ التعاون وحسن الجوار في إطار إدارة العلاقات الدولية مراعاة كافة أعضاء المجتمع الدولي لقواعد القانون الدولي الحاكمة لإدارة الموارد المائية المشتركة، وفي مقدمتها تجنب إحداث الضرر الجسيم والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة بشكل متوازي يراعي الاحتياجات بشكل متساو، ومن هذا المنطلق فقط.
لقد اتخذت مصر الخيار التفاوضي، في تعاملها مع قضية المياه.. ولاسيما موضوع السد الإثيوبي استنادًا إلى مجموعة من الثوابت الحاكمة والتي تنم عن رغبتنا، في تنمية العلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا، والتشارك في مواجهة التحديات التي تواجه القارة الإفريقية وتوسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف والسعي لإيجاد رؤية مشتركة بين مصر والسودان وإثيوبيا، لحل تداعيات بناء "سد النهضة".
وتؤمن مصر بوحدة الهدف والمصير، بين دول حوض النيل خاصة "مصر والسودان وإثيوبيا"، وذلك على أساس المنفعة المتبادلة، وعدم إلحاق الضرر، والعمل على تحقيق المصلحة للجميع، وحرصنا في الوقت ذاته، على استمرار دعم مختلف جوانب التنمية، في منطقة حوض النيل، وهو ما يستلزم التوصل إلى اتفاق عــــادل ومتـــــــوازن، بشــــــــأن ســــــــد النهضـــــــة على نحو يمكن إثيوبيا، من تحقيق التنمية الاقتصادية التي تصبو إليها، وزيادة قدراتها على توليد الكهرباء التي تحتاجها وفي ذات الوقت، يحفظ مصالح دولتي المصب، مصر والسودان وعدم إلحاق ضرر بحقوقهما المائية، وذلك من خلال حتمية بلورة اتفاقية قانونية، ملزمة وشاملة، بين كل الأطراف المعنية، حول قواعد ملء وتشغيل السد ورفض الإجراءات المنفردة أحادية الجانب، التي من شأنها إلحاق الضرر بحقوق مصر في مياه النيل.
إن المجتمع الدولي، مازال يواجه أيضًا العديد من التحديات التقليدية وفي هذا السياق، تدعم مصر كافة الجهود الرامية لحفظ السلم والأمن الدوليين ولاسيما في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط، من تحديات جسيمة على استقرارها وأمنها ومساعي تقسيم الدول، وهدم مؤسساتها الوطنية، وإعلاء الولاءات القائمة على أسس طائفية ومذهبية، علـــــى حســــــاب مفهـــــــوم الدولـــــة الوطنيـــــــــة وطالما طالبت مصر، باتباع نهج شامل لمكافحة الإرهاب والتصدي له بكافة صوره وأشكاله، وتكثيف التعاون الدولي لمكافحته.
وفي إطار دفع جهود الاستقرار بالمنطقة؛ تدعو مصر لتعزيز الجهود الرامية، لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل في ظل ما يكتنف ذلك، من مخاطر تهدد بقاء البشرية، والسلم والأمن الدوليين، كما تستمر مصر، في دعم القضية الفلسطينية، إلى أن تتحقق طموحات الشعب الفلسطيني، في قيام دولته المستقلة على حدود ١٩٦٧، وعاصمتها "القدس الشرقية".
وكما نواجه قضايانا الإقليمية، نسعى أيضًا إلى معالجة القضايا الدولية حيث يشهد العالم منذ بداية العام الجاري، عواقب استمرار الأزمة الراهنة في أوكرانيا. وترتكز ثوابت الموقف المصري من هذه الأزمة، على أهمية تناول كافة السبل المؤدية إلى التهدئة والتوصل إلى حل دبلوماسي للنزاع وبذل كافة الجهود من أجل تحقيق ذلك، وبما يجنب شعوب العالم الآثار السلبية للأزمة.
في الختام، أتوجه مجددًا بفائق الشكر، للدكتور رئيس جامعة بلجراد العريقة، لمنحي درجة الدكتوراه الفخرية ولأعضاء مجلس الجامعة الأجلاء متمنيًا استمرار التواصل والتنسيق بين البلدين وزيادة أواصر الصداقة والتعاون، بما يحقق مصالح الشعبين الصديقين.