هل تصلح الصوفية لأداء دور الوساطة بين فرقاء السودان؟
صدام دامي وحظر تجول وصراع مشتعل بين الفرقاء في السودان واشتباكات قبلية على مدى أيام راح ضحيتها 60 قتيلا و157 مصابين، وفق وزارة الصحة أمس، وحتى الآن لايوجد من يمكنه حقن دماء السودانيين من القوى السياسية المتصارعة، لكن هناك طرف واحد تراهن عليه الأمم المتحدة حتى الآن ـ الصوفيين ـ
وما زالت أصداء الدعوة التي وجهها فولكر بيرتيس، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لعدد من القيادات الصوفية السودانية، للاجتماع معه والتباحث حول الأزمة الراهنة في البلاد وسبل الحل، تثير حالة من الجدل، لاسيما للبعض الذي لا يعرف قوة الحركة الصوفية في الساحة السياسية السودانية خاصة، والعربية والإسلامية عامة.
مشرع الصوفية لحل الصراع
كانت الحركات الصوفية ناقشت قبل أشهر الأحداث على أرض الواقع، واتفقت مع مبعوث الأمم المتحدة على تسليمه ورقة تفصيلية تحتوي على رؤية قادة الطرق الصوفية الذين شاركوا في الاجتماع لكيفية تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية دون اشتراطات أو إملاءات من أي جهة.
تحاول الطرق الصوفية السودانية تشكيل مجلس حكماء مستقل من مشايخ الطرق والإدارات الأهلية والشخصيات القومية ليكون ضامنًا لتعزيز الثقة بين الأطراف في تأسيس شراكة حقيقية وفاعلة بين كافة المكونات وفق أسس تضمن الانتقال الديمقراطي نحو الحكم المدني المنشود والذي يحقق للجميع العدل والمساواة والحرية والسلام.
جدل الصوفية والسياسة
ليست خافيا انشغال الصوفية منذ نشأتها في النشاط الدعوي والروحي، وكانت دائما ما تدعو إلى الترفع عن ملذات الدنيا وترفها وتجنب فتنها، لكن الواقع على امتداد التاريخ الإسلامي يقول شيئا آخر، إذ لعبت الصوفية دورا كبير في السياسة واشترك أنصارها في الأحداث المفصلية التاريخية المختلفة على رأسها التصدي للحروب الصليبية، والتفاعل مع الشعوب المختلفة لإشعال الثورات ضد المحتل.
تاريخيا، كانت الخلافة العثمانية أكثر الدول الإسلامية وعيًا بقوة الصوفية على المسرح السياسي، لهذا تقربت منها بشدة على مدار ستة قرون، ويبدو حجم التقارب والانصهار بينهما واضحا في تأثير التصوف على الدولة، والمساهمة في توسيع انتشاره داخل تركيا وخارجها، ولازلت الحضرات التركية الصوفية لها حضور خاص في الأوساط الصوفية الإسلامية حتى الآن.
ويشارك المتصوفة في الانتخابات المختلفة بالبلدان العربية والإسلامية، ولهم أحزاب تمثل رؤيتهم ومصالحهم التي تضاربت غالبا مع مصالح تيارات الإسلام السياسي، لهذا لاتطيق الأخيرة رؤية المتصوفة في أي أدوار سياسة منافسة لها، وفي الحالة السودانية تحديدًا، كان للصوفية دور كبير في إسقاط الرئيس السابق عمر البشر القادم للحكم من مدرس الإخوان.
وساهم انغماس حزب الأمة وزعيمه التاريخي، القطب الصوفي السوداني صادق المهدي، في الصراع بين الشارع والرئيس المعزول في إسقاط الأخير، بعد عقود مزمنة للسودان، قضاها البشير والإخوان في الانفراد بالحكم والسلطة والثروات والنفوذ.
والآن تحاول الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية دفع الحركات الصوفية المختلفة بما لها من حضور في الشارع السياسي للعب دور يضمن خروج البلاد من عثرتها، وإيجاد حل يناسب جميع الأطراف، وينقذ السودان من مصير غير مأمون العواقب.