قراءة في قمة جدة
بأربعة بيانات انتهت قمة جدة، بيان ختامي رئيسي مؤلف من ٢١بند، وبيان أمريكي خليجي مؤلف من ١٢فقرة، بخلاف البيان المصري الأمريكي، والبيان الإماراتي الأمريكي، وما لم يذكر في البيان الختامي، جاء ذكره في البيان الخليجي الأمريكي المشترك، وهو ما سنتطرق إليه لاحقا..
انتهت إذن القمة العربية الأمريكية في جدة، تحت عنوان قمة جدة للأمن والتنمية، وصدر البيان الختامي الذي أرضى كل الأطراف، وفتح كل الملفات، من القضية الفلسطينية إلى القضايا الليبية والسورية واليمنية واللبنانية والعراقية وسد النهضة الإثيوبي والملف النووي الإيراني وملف الإرهاب والميليشيات والعصابات ومموليها..
وعاد الرئيس الأمريكي من جولته الأولى كرئيس للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو راض باستعادة الحضور الدائم لبلاده في منطقة تخلت عنها واشنطن فدخلتها روسيا والصين وإيران وتركيا، ويلفت النظر في البيان الختامي أنه تضمن العبارة السقيمة القديمة المكررة وهى حل الدولتين وتسوية عادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولننتبه أن اللفظ المستخدم ليس الصراع العربي الإسرائيلي.. حل الدولتين كانت اول عبارة استخدمها جورج بوش الإبن في أحقر عملية نصب سياسي خدع بها العرب لقبول ضرب العراق واحتلاله وتمرير الغزو. فهل حققت الأطراف المشاركة أهدافها؟
البيان الختامي
جاء بايدن للحصول على مزيد من الطاقة، فحصل على مزيد من التوضيح بأن المزيد تحقق فعلا بطرح أكثر من ٦٠٠ ألف برميل يوميا، ما يعادل أكثر من نصف كمية النفط الروسي الذي لا تستطيع روسيًا تصديره حاليا بسبب العقوبات الأمريكية الأوروبية. وأفهموه في جدة أن القرار ليس عاطفيا بل قرار سوق تناقشه أوبك.
ملف الطاقة إذن لم يحقق الطفرة التي تخفف الضغوط الداخلية على بايدن، لكن ملف الحشد ضد إيران اتخذ بعدين أولهما القطع بأن واشنطن لن تسمح لإيران بسلاح نووي أبدا، وفي ذلك إرضاء للمجتمعين في جدة، ولإسرائيل، التي كانت حاضرة من القدس! ملف إيران تحصيل حاصل، لأن إيران قد تقبل بصيغة فيينا الأخيرة وتتنازل عن شرطها الخاص بسحب واشنطن اتهامها الحرس الثورى بالإرهاب فتنتهي الأزمة، أو لا تقبل إيران فتتهيأ المنطقة للجحيم.
النقطة الأخيرة هي باب الدمج الذي تناقضت فيه التصريحات، حتى العربية، مع البيان المشترك الخليجي الأمريكي. أول من سوق الكلام عن دمج إسرائيل قبيل الزيارة كان جاك سوليفان مستشار الأمن القومي، ورددها من بعده بايدن ومائير لابيد رئيس حكومة تصريف الأعمال في إسرائيل.
فهل المقصود الدمج السياسي؟ أم الدمج الاقتصادي؟ أم هو الدمج العسكرى؟ أم توحيد المنظومة الدفاعية لدول الخليج ومصر والأردن والعراق مع واشنطن وإسرائيل تحت قيادة البنتاجون لمواجهة إيران بعد ضرب إسرائيل لمنشآتها النووية إذا حدث؟!
نفى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وجود دمج عسكرى أو تعاون تقنى خليجي مع إسرائيل، ونفى وجود ناتو عربى، لكن بالرجوع إلى نص محدد في بيان للبيت الأبيض عن قمة الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون سنجد الفقرة التالية بارزة: تعميق التعاون الدفاعي والأمني والاستخباراتي على مستوى المنطقة.
يمكن بسهولة ملاحظة أن هذه الفقرة لم يتضمنها نص البيان الختامي الصادر عن القمة في جدة، لكن تضمنها بيان البيت الأبيض بوضوح. تبقى الملاحظة الأخيرة وهى أبرز مخرجات القمة أن رجل دولة شابا أثبت جدارته وحضوره، فرأس محمد بن سلمان الجلسة وأدارها بحنكة وثبات وكان ممثلا قويا للعاهل الغائب، وجعل بايدن يدرك أن السعودية اليوم غيرها بالأمس. وعلى أرض الواقع ومع رد الفعل الإيراني وقرب نفاد الوقت مع إيران. سوف تختبر كل البيانات التي صدرت وسيواجه كل مسئول اختياراته، وحده أو بعد التعميق!