التضحية بمن؟ تأملات في فعل الذبح!
فرت الجاموسة. انطلقت تركض في الأوتوستراد. صعدت الكوبرى. وازت السيارات وسبقتهم. لم تقفز إلى الاتجاه المعاكس. حافظت على خطوات سريعة منتظمة قافزة. الخطوات قصيرة مع اللهاث ترى القدمين الخلفيين يلتقيان مع القدمين الأماميين. الجاموسة تركض وسيدتان في سيارة عابرة تلتقط احداهما المشهد. لم تضرب الجاموسة الهاربة أحدًا، ولا نطحت سيارة. ظلت تركض حتى نفدت طاقتها، فتراجعت خطواتها كأنما تهيأت للاستسلام.
لماذا هربت الجاموسة؟ هل رأت ساطور الجزار؟ هل رأت جاموسة أخرى تساق إلى الذبح وسط فرجة الكبار والصغار وتهليل المنتظرين أجزاء من لحمها؟ هل فات الجزار عصب عينيها أم لم يكترث؟ تخاف الجواميس والنعاج وكل المخلوقات، كما يخاف البنى آدم. عرفت بالغريزة أن مصيرها الذبح. ما مشاعر الإنسان إذ يساق إلى الذبح؟ الرعب والجزع. ما شعور الجاموسة اذ تقهر على الرقود وتمر السكين مرا خاطفا عميقا على النحر؛ فيتسرب الدم ويفور؟
التقرب إلى الله
هو أمر الله. هو أعلم بحكمة ما أمر به إبراهيم وإسماعيل تنفيذا لرؤية سيدنا إبراهيم أن رأي نفسه يذبح إبنه إسماعيل فينصاع الإبن لما أمر به الله أباه، فيفتديه الله بذبح عظيم. هل نفتدى أحدا حين نضحي بخروف أو عجل أو جاموسة؟ هل حين ننحر نكون في حالة إدراك أن فعل النحر خضوعا للأمر الإلهي ليس فقط أن نطعم المحتاج المحروم، بل أيضا فداء وافتداء؟.
الانتباه إلى الفداء والافتداء يقع حين تتوالى المصائب على رأس شخص فينصح بذبح فرخة أرنب، خروف، أما مع الشخصية الجلل والمصيبة الجلل فينصح بذبح جاموس أو عجلين، قد يرفع البلاء مع الافتداء أو يخفف، أو يتوقف، هذا ما تعلمناه وخبرناه من فعل الذبح لرفع الكرب.
هذا يحدث حين نضحى بالخراف والعجول والجاموس، فهل يقع الأثر ذاته حين نضحي بانسان؟ علاقة الانسان بالإنسان مراتب ومشاعر وأفكار وزمن ومكان، تختلف عن علاقته بحيوان قرر أن يذبحه، في مكان محدد ووقت معلوم. يقع فعل التضحية بالحيوان في مناسبات مقررة، دينيا واجتماعيا، لكن فعل التضحية بصديق أو حبيب أو زوجة يتم غدرا.
والغدر خسيسة ذات وطأة أعمق من غرس ساطور الجزار في عنق الذبيحة. الغدر فيه الفجأة ومن حيث تتمتع بالطمأنينة.التضحية بالحيوان قربان وتقرب إلى الله. التضحية بالغير، قربان إلى الشيطان. ومع إعتبار تكرار أفعال الغدر الخسيس طول العام فإن معدة الشيطان قد امتلأت بالضحايا من الآدميين. والآن وقد ذبحت صديقًك، الذي طعمتما معا وضحكتما معا وبكيتما معا هل تشعر أنك تقربت إلى الله؟ لم تتقرب إلى الله. إنك راكع ساجد لأبيك الوفي إبليس!