ختان الإناث
ختان الإناث عادة فرعونية، أفريقية، وليس فريضة دينية عند جميع الشرائع، فهى عادة اجتماعية موروثة من جيل إلى جيل نتيجة تقليد عميق الجذور فى الفكر البشرى، ولا صلة لها بالشرائع الدينية، وجميع الأديان السماوية ترفضها لما لها من آثار سلبية، ومن المعروف أن تلك العادة انتشرت فى حوض النيل القديم، ثم بعد ذلك انتقلت إلى بعض الدول وعلى رأسها الصومال وإثيوبيا وغينيا وجيبوتى وكينيا والسودان وموريتانيا..
للأسف تلك العادة مرتبطة في أفكار وأذهان العامة من الناس بالأخلاق والقيم والمبادئ المصرية القديمة، ولكن هذه العادة تضر ضررًا بالغ الشدة بالإناث وبالذات البنات الصغار، ولا تحقق لهن أى فائدة، لا فى صحتهن، ولا فى جسدهن، بل تحطمهن جسديًا ونفسيًا، ربما يصل الأمر إلى الموت. والختان جريمة يعاقب عليها القانون، لما يترتب عليها من أذى للبنت فى بدنها ونفسها ويحرمها من حقها الفطرى فى المتعة الجنسية مع زوجها الشرعى.
رأي الدين
العقيدة المسيحية لا تصرح بالختان بأى حال من الأحوال أو تقره أو تبيحه، فطبقًا لتعليم الكتاب المقدس أى ممارسة يمكن أن تضر بصحة الفتاة وتشوه الأعضاء التناسلية للأنثى التى خلقها الله لها. فهذا يكون ضد إرادة الله سبحانه وتعالى، بل هو تعد على مشيئته فى خلق كل عضو فى جسد الإنسان له وظيفة محددة، والكتاب المقدس دستور المسيحية وجوهرها بعهديه القديم والجديد لا يحتوى على أى أشارة أو نص كتابى واحد حول موضوع ختان الإناث، وهذا هو موقف الديانة المسيحية فى موضوع ختان الإناث.
وكذلك حسم فضيلة الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الحكم الشرعى فى الفتوى الصادرة عنه بالرفض، حيث أكد أنه تبين للأزهر من خلال ما قرره أهل الفقه والطب الموثوق بهم وبعلمهم أن عملية ختان الإناث لها أضرارًا كبيرة تلحق بشخصية الفتاة وتؤثر على حياتها الأسرية بعد الزواج بشكل خاص، بما ينعكس سلبًا على المجتمع بأسره.
وكذلك مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف قال بعد تدارس القضية من كل جوانبها الفقهية وبإجماع أعضائه أن عملية ختان الإناث لم ترد فيه أوامر شرعية صحيحة وثابتة لا بالقرآن الكريم ولا فى السنة النبوية، وبذلك يكون ختان الإناث محظورًا ويكون إيقاع العقاب على من يزاوله أمرًا جائزًا شرعًا لأنه مخالف للشريعة والقانون.
أما دار الإفتاء المصرية فأكدت أن عملية ختان الإناث بعيدة كل البعد تمامًا عن نصوص السنة المطهرة وأقوال أهل العلم، فهى محرمة شرعًا.
مواجهة الختان
انتشرت هذه العادة السيئة المخالفة لشرع الله فى مدن وقرى ونجوع وعزب وكفور بلادنا المصرية، ولكن لا يشعر المجتمع بعنفها لكثرة ممارستها، حيث تجرى أغلبها في الريف، للفتيات في عمر الطفولة من سن 6 سنوات إلى 12 سنة، ختان الإناث من أبشع مظاهر العنف الجسدى والنفسى والأخلاقى والاجتماعى والصحى والبيئى والديني والقانونى..
ويعتبر الختان من أشكال العنف ضد المرأة، وقد أجمعت كل الأبحاث العلمية على أضراره الجسيمة على الأنثى، لما له من مضاعفات عديدة مثل النزيف الحاد أو حدوث صدمة عصبية أو تليف جلدى فى هذه المنطقة الحساسة فى جسدها، وقد يحدث ألم شديد أثناء إقامة العلاقات الشرعية عند الزواج، نتيجة استصال جزء عصبى حساس فى الجهاز التناسلى، له منفعة ووظيفة فى جسدها وليس جلد زائد، وقد يؤدى الختان في بعض الأحوال إلى الوفاة.
وللأسف حتى وقتًا هذا مازالت بعض الأمهات فى ريف مصر يمارسن هذه العادة السيئة والقاسية مع بناتهن فى الخفاء والكتمان الشديد خوفًا من البلاغ عنهن للشرطة أو مجلس الطفولة، ويقعن تحت طائلة القانون الجنائى بالسجن مع جميع من شارك فى هذه العملية الخطيرة.
فنحن نقدر دور المؤسسات الدينية الداعم وكذلك دور الإعلام والصحة والتعليم والمجلس القومى للطفولة، ومؤسسات المجتمع المدنى، لمنع انتهاك جسد الطفلة من خلال خطر ممارسة تلك العادة البشعة عن طريق المساعدة فى التوضيح المستمر من كل هذه المخاطر المذكورة، وتصحيح المفاهيم القديمة والمتغلغلة في مجتمعنا، بسبب الدوافع والمعتقدات الاجتماعية الخاطئة..
يجب على المجتمع كله التصدى بشدة لهذه المشكلة التى لازالت تمارس حتى وقتًا هذا فى بعض القرى والأحياء الشعبية في بلادنا، فقضية الختان من هذا المنظور لا يجب ان يستهان بها، وتمر كغيرها من القضايا التى تثار من الحين للآخر مرور الكرام، ثم تختفى فى طيات الزمن، فهى قضية ذات أبعاد مهمة جدًا فى حياتنا وبفضل الله سبحانه وتعالى والمجتمع المصرى المستنير بكافة طوائفه نقضى على هذه العادة من فكرنا نهائيًا ومن ثقافتنا الاجتماعية جذريا. وأختم مقالى بهذه المقولة: "ختان الفتيات يشكل وصمة عار فى تاريخ الإنسانية".