زي النهاردة.. الحملة الصليبية الأولى تسقط القدس وتعلن قيام مملكة بيت المقدس
في مثل هذا اليوم من عام 1099 سقطت مدينة القدس بيد الصليبيين في إطار الحملة الصليبية الأولى، وقيام مملكة بيت المقدس لتبدأ سلسلة من الصراعات المسلحة حول القدس ورمزيتها التاريخية والدينية.
عن الحملة الصليبية الأولى
أولى الحملات العسكريَّة المُنظَّمة التي شنَّها الغرب الأوروپي لنزع السيطرة الإسلاميَّة على الديار المُقدَّسة وإعادتها تحت جناح العالم المسيحي، بينما كان لها على أرض الواقع أهدافٌ عديدة سياسيَّة واقتصاديَّة واستراتيجيَّة واستعماريَّة، إلى جانب الهدف الديني.
كان السلاجقة قد ظهروا على مسرح الأحداث في الشرق الأدنى في أوائل الثُلُث الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي، وتحت رايتهم أخذ المُسلمون يتوسَّعون على حساب الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في آسيا الصُغرى.
وفي سنة 463هـ المُوافقة لِسنة 1071م، هزم المُسلمون البيزنطيين في معركة ملاذكرد وأسروا الإمبراطور رومانوس الرابع ثُمَّ افتتحوا أغلب بلاد الأناضول، فوجَّه الروم نداءاتٍ عديدةٍ لِلغرب كان آخرها الذي وجَّهه الإمبراطور ألكسيوس الأوَّل يطلب فيه المُساعدة لِلوُقُوف بِوجه التوسُّع الإسلامي.
استجاب البابا أوربان الثاني لِاستغاثة الإمبراطور البيزنطي وشحن أمراء الإقطاع والنُبلاء لتحويل الصراع إلى حربٍ مُقدَّسةٍ، وإدخال الكنيسة الأرثوذكسيَّة الشرقيَّة تحت جناح البابويَّة، وتوحيد العالم المسيحي تحت الحُكم الديني لِلبابوات والعودة بِروما لِتكون حاضرة للعالم.
وفي مجمعٍ كنسيٍّ عُقد في مدينة كليرمونت سنة 1095م، ألقى البابا عظةً حثَّ فيها أوروپَّا الكاثوليكيَّة على الحرب لِتخليص القبر المُقدَّس من المُسلمين، ووعد المُحاربين بِأن تكون رحلتهم إلى المشرق بِمثابة غُفرانٍ كاملٍ لِذُنُوبهم، كما وعدهم بِهدنةٍ عامَّةٍ تحمي بُيُوتهم خلال غيبتهم.
أصابت دعوة البابا أوربان نجاحًا كبيرًا، فنهض العديد من النُبلاء والأُمراء لِلزحف شرقًا، وكان لِكُلِّ فريقٍ منهم حوافز دُنيويَّة مُختلفة، إلى جانب الحافز الديني.
قُبيل انطلاق هذه الحملة، زحفت عدَّة جُيُوش غير مُنظَّمة من الفلَّاحين الفرنجة والألمان يقودها أميرٌ يُدعى والتر المُفلس وراهبٌ يُسمَّى بُطرس الناسك وآخرون غيرهما، وعُرفت هذه الحملة بـ«حملة الفُقراء أو الحملة الشعبيَّة» نظرًا لأنَّها تكوَّنت من عوام الناس.
واستهلَّ هؤلاء أعمالهم بِذبح اليهود وأثاروا فيما بعد البُلغار والمجريين فهاجموهم وشتَّتوهم. أمَّا الفرق التي وصلت القُسطنطينيَّة فقد سارع الإمبراطور ألكسيوس بنقلها إلى آسيا الصُغرى حيثُ هزمها السلاجقة وأفنوا ثلاثة أرباعها.
وتبع هؤلاء جُيُوش صليبيَّةٌ مُنظَّمةٌ بِقيادة ريموند الرابع قُمَّس طولوشة وصنجيل، وگودفري البويني، وبوهيموند الأطرانطي، وتانكرد. وأقسم هؤلاء جميعًا باستثناء ريموند وتانكرد يمين الولاء لِلإمبراطور البيزنطي، وتعهَّدوا بِموجبه بِقبول سيادته على ما يأخذونه من بلادٍ من المُسلمين.
هزيمة السلاجقة
زحفت جُيُوشهم على آسيا الصُغرى، فاستولوا على نيقية سنة 1097م، وهزموا السلاجقة في ضورليم، واحتلُّوا أنطاكية سنة 1098م، والساحل الشَّاميّ، ثُمَّ زحفوا على بيت المقدس واحتلُّوها في شهر (يوليو) 1099م، وأوقعوا بِأهلها المُسلمين واليهود مذبحةً هائلةً دامت يومين، حتَّى أفنوهم عن بُكرة أبيهم، وكان مصير القلَّة التي نجت أن بيعوا في أسواق النخاسة.
بعد تمام انتصارهم على المُسلمين، نكث الصليبيُّون بِيمينهم لِلإمبراطور البيزنطي، فلم يُسلِّموه ما احتلُّوه من بلادٍ، فأسَّسوا أربع دُولٍ لاتينيَّة، هي: قُمَّسيَّة الرُّها وإمارة أنطاكية وقُمسيَّة طرابُلس ومملكة بيت المقدس، وقد صمدت مُعظم هذه الدُول ما يقرب من قرنين رُغم أنَّها كانت مُحاطةً بِبحرٍ إسلاميّ، بِسبب الخلافات والإنقسامات الحادَّة بين المُسلمين، ولم تفقد بعض أراضيها إلَّا حينما برز قادةٌ مُسلمون تمكنوا من توحيد كلمة الإسلام خلال العُقُود التالية من تثبيت دعائم الحُكم الصليبي في الشَّام.