رئيس التحرير
عصام كامل

الردع بالوكالة... إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة لكبح الصين وكوريا

حرب نووية
حرب نووية

عقب إنهاء الحرب العالمية الثانية واكتشاف قدرات السلاح النووي الرهيب إثر تدمير جزيرتي هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية سعت القوى العالمية المتمثلة في الدول الكبرى المنتصرة في الحرب في كبح انتشار أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها السلاح النووي حول العالم. 

 

أسلحة الدمار الشامل

وعلى مدار أكثر من نصف قرن، كانت إحدى المهام الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية كبح انتشار الأسلحة النووية.


ونجحت تلك المهمة للحد الذي منعت فيه واشنطن الانتشار العالمي للأسلحة الأكثر تدميرًا وعشوائية وغير الإنسانية، بحسب تحليل أعده سونج وان تشوي، أستاذ العلاقات الدولية والسياسة الكورية بجامعة إلينوي في شيكاغو، ونشرته مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية.


وبالنظر إلى أن جميع حلفاء الولايات المتحدة تقريبا يؤمنون بفاعلية المظلة النووية الأمريكية، يعتبر التسلح النووي هدفا للبعيدين عنها.


لكن تغير مناخ الأمن الدولي ألقى بظلاله بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حيث وسعت الصين وكوريا الشمالية نطاق قدرتهما لاستعراض القوة العسكرية عالميًّا، ليتموقع البلدان كأكبر تهديد أمني لدول شرق آسيا والولايات المتحدة.


ومع انزلاق قوة الهيمنة العالمية من بين أصابع الولايات المتحدة، بحسب تحليل وان تشوي، تواجه واشنطن صعوبات متزايدة في الموازنة بين المعسكرين الجديدين.


لتعلن واشنطن اتخاذها إستراتيجية أكثر صرامة بحق الدول التي تعتبرها مارقة أو مصدر للقلق عن طريق ما يعرف بالردع بالوكالة. 
 

الولايات المتحدة الأمريكية

ورأى التحليل أنه حان الوقت لتمرير المسؤولية؛ حيث يجب على الولايات المتحدة السماح لكوريا الجنوبية أو اليابان بالحصول على النووي، لأنه من شأن تلك الاستراتيجية تشجيع أحد البلدين على تحمل عبء الردع أو ربما قتال الصين وكوريا الشمالية في شرق آسيا قبل عبورهما المحيط الهادئ.


ولفت إلى أن تمرير المسؤولية هو نقل لمسؤولية التحرك بشأن متنمر ناشئ، لكنها واحدة من أكثر الإستراتيجيات الأمنية المدروسة جيدًا لقوة عظمى لكبح معتد بينما تظل على الهامش.


وأشار التحليل إلى أن إنجلترا وفرنسا تتحملان، بطريقة ما، مسؤولية إحباط أي عدوان عسكري من خصوم أوروبا والولايات المتحدة في أوروبا الشرقية، وتلعب إسرائيل هذا الدور في الشرق الأوسط، والهند وآسيا في جنوب آسيا.


وبهذا، يتقلص التورط العسكري الأمريكي المباشر مع المعتدين المحتملين، وللأسف لا تلعب أي دولة في شرق آسيا، أحد أكثر المناطق تقلبا في العالم، هذا الدور، وهذا من شبه المؤكد نتيجة ثانوية للارتباك بسبب الصعود السريع للصين.


اليابان

واستعرض وان تشوي عدة أسباب لاحتمال أن تفضل واشنطن اليابان لتولي المسؤولية وليس كوريا الجنوبية، مشيرا إلى أن سيؤول أظهرت، أثناء تطوير برنامجها الفاشل للأسلحة النووية في السبعينيات، "نمطا من الخداع والتلاعب والتهرب أو حتى إعاقة المصالح (الجيوسياسية) المعلنة" للولايات المتحدة.
وفي المقابل، لم تظهر اليابان التي تواجه تهديدات من الصين وكوريا الشمالية موقفا مماثلًا لواشنطن، بالرغم من احتفاظها بالقدرة التقنية لحيازة النووي وبمهلة قصيرة إذا لزم الأمر.


وبما أن واشنطن تعي أن "من غش مرة يغش دائما" قد تنظر إلى سيؤول باعتبارها أقل موثوقية مقارنة بطوكيو إذا ساءت الأمور، بحسب وان تشوي، لافتا إلى أن كوريا الجنوبية سياسيًّا أقل موثوقية من اليابان، بالنظر إلى أن فترة الولاية الرئاسية تمتد لخمسة أعوام، وغالبا ما تؤدي إلى عدم اتساق في السياسات.


وعندما يكون هناك رئيس محافظ في السلطة لخمسة أعوام تميل السياسة الخارجية إلى التوافق مع المصالح الأمريكية، لذلك نادرًا ما تواجه واشنطن مشكلة في معالجة مخاوفها الأمنية في كوريا الجنوبية.
لكن حال حدوث نقل للسلطة ووصول رئيس تقدمي إلى السلطة للخمسة أعوام التالية، يميل هذا إلى تغيير جذري في السياسة، وتأكيد أهمية السيادة الوطنية، ورفض الأسلحة النووية كخيار أمني قابل للاستمرار.


وفي المقابل، هيمن حزب محافظ إلى حد كبير على اليابان، حيث ظل في السلطة بشكل شبه مستمر منذ تأسيسه عام 1955، كما أن رؤساء وزراء اليابان متعاونون بشكل استثنائي، لذلك فهم أكثر استعدادًا لاستيعاب أي احتياجات أمنية أمريكية في شرق آسيا.


ولفت التحليل إلى أنه بالنظر إلى أن كوريا الجنوبية تتمتع بمصالح اقتصادية أكبر في الصين بالمقارنة مع اليابان، قد تكون مترددة أكثر في موازنة القوة الصاعدة لبكين بالنيابة عن أصدقائها الأمريكيين.


كما أنه عندما يتعلق الموضوع بردع أو محاربة الصين وكوريا الشمالية، ينقلب الرأي العام في كوريا الجنوبية على الولايات المتحدة بشكل أكبر مما عليه في اليابان.


وأشار التحليل إلى أن "سلوك الصين وكوريا الشمالية أصبح استفزازيًّا على نحو متزايد في وقت يتعثر فيه الجيش الأمريكي مع اقتصاد يعاني جراء التحديات الاقتصادية".


وكانت أكدت الصين تمسكها بمواصلة تحديث ترسانتها النووية، مطالبة كلا من الولايات المتحدة وروسيا بخفض مخزونهما من الرؤوس النووية في إسقاط من بكين تجاه واشنطن كونها الدولة الثانية من حيث العدد الأوفر من أسلحة الدمار النووي.


وجاء التأكيد الصيني فيما يتعلق بتحديث ترسانتها النووية غداة تعهّد الدول الخمس الكبرى بمنع انتشار الأسلحة الذرية.


وقال فو تسونج، المدير العام لإدارة الحد من التسلح بوزارة الخارجية الصينية، إن "الصين ستواصل تحديث ترسانتها النووية من أجل مسائل الموثوقية والسلامة".


وأشار المسؤول الصيني إلى أن "الولايات المتحدة وروسيا ما زالتا تمتلكان 90 %من الرؤوس الحربية النووية في العالم. عليهما خفض ترسانتهما النووية بطريقة ملزمة قانونا ولا رجوع عنها"، وفق ما نقلت "فرانس برس".


ترسانة بكين النووية

وخلص تقرير سابق للبنتاجون تم نشره في نوفمبر الماضي إلى أن الصين توسع ترسانتها النووية بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعًا.


وأشار هذا التقرير السنوي الذي تصدره وزارة الدفاع الأميركية حول القدرات العسكرية للصين، إلى أن "تسريع التوسع النووي للصين قد يسمح لها بامتلاك 700 رأس نووية بحلول العام 2027".


كذلك أكد التقرير أنه "من المرجح أن تسعى بكين لامتلاك ما لا يقل عن 1000 رأس نووية بحلول العام 2030، وهو أعلى من الوتيرة والكمية المقدرة في العام 2020".


ولا يقل عزم كوريا الشمالية في امتلاك الاسلحة النووية شيئ عن الصين حيث أجرت بيونج يانج في الثالث من سبتمبر 2017، أكبر تجربة نووية حتى الآن، في موقع اختبار "بونجيه-ري" التابع لها.


وتباينت تقديرات القوة التفجيرية ما بين 100-370 كيلوطن، إذ أن قوة تبلغ 100 كيلوطن تكفي لتجعل الاختبار أقوى بست مرات من القنبلة التي أسقطت على هيروشيما عام 1945.


وادعت كوريا الشمالية أن هذا الاختبار كان أول سلاح نووي حراري، وهو أقوى أشكال الانفجار النووي، إذ يجري تعزيز التفجير الذري من خلال عملية اندماج ثانوية لتوليد انفجار أكبر بكثير.


وفي أبريل عام 2018 أعلنت كوريا الشمالية أنها ستعلّق المزيد من التجارب النووية، لأنه "تأكدت" قدراتها.


كما تعهدت كوريا الشمالية، بتفكيك موقع "بونغيه-ري"، وفي مايو عام 2018 فجّرت بعض الأنفاق بحضور صحفيين أجانب، لكن بدون خبراء دوليين.


كما أعلنت بيونج يانج، في ظل بدء حوار بين كيم جونغ أون وإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في ذلك العام، أنها ستدمر جميع منشآتها لتخصيب المواد النووية.


وعلى الرغم من ذلك كانت المحادثات مع الولايات المتحدة غير حاسمة.

عدد الرؤوس الحربية النووية

ويعتبر العدد الدقيق للرؤوس الحربية النووية من المعلومات السرية للدول وبالتالي فهو مسألة تخمين؛ فيما يقدر اتحاد العلماء الأمريكيين أن روسيا تمتلك 6,500 سلاح نووي، بينما تمتلك الولايات المتحدة 6185 سلاحًا نوويًا، تمتلك كل من روسيا والولايات المتحدة 1600 رأس نووي استراتيجي نشط.


فيما تنذر كل تلك الأرقام والإحصائات المرعبة بحرب من جهنم على الارض حال اندلاع صراع بأسلحة الشيطان النووية بين اي من الدول صاحبة سلاح الردع الأكثر رعبًا في العالم والذي لا يتردد في تدمير كل أشكال الحياة حال استدعائه الرهيب. 

الجريدة الرسمية