رئيس التحرير
عصام كامل

الفلوس وتأليب النفوس

الفلوس مهمة للغاية في حياة كل البشر منذ عرف الناس أن لكل شيء سعرا وهذه بديهية، لكن حين تتحول المقايضة إلى إنسان مقابل مال فهذه نخاسة وعبودية واسترقاق وما إلى ذلك من مفردات عرفتها البشرية، وبخاصة منطقتنا وأسواق العبيد في أمريكا.. والمرعب أن الموتى غدرا -بالقتل- صاروا بدورهم عرضة للمقايضة، لن يشتري أحد جثثهم، بل سيدفع أناس أموالا لشراء جرية قاتل مدان قضائيا وينتظر حكم الإعدام!


مبادلة حرية قاتل الطالبة نيرة أشرف  بخمسة ملايين جنيه تعويضا لأسرتها عن إزهاق روحها خبر هز وجدان المجتمع المصري المهتز المهترئ أصلا. لا أسرة القاتل تملك المبلغ الضخم، ولا عرضت، لكن شخصا ما، جهة ما، تبنت فكرة جمع المال لتحرير القاتل. ما الهدف؟ ما المصلحة؟ ليس ثمة هدف، وليست هنالك أية مصلحة، لأن القانون سوف ينفذ علي القاتل، ولأنه قاتل مع سبق الإصرار والترصد. خطط ودبر واعتزم ونفذ بأن ذبح الطالبة. 

 

لا ريب أن العقل الجالس وراء منصات الترويج لفكرة دفع الدية الكاذبة يعلم جيدا أن جريمة الذبح ليست قتلا خطأ، حيث يمكن تمرير الدية جبرا لخاطر المقتول خطأ، فلماذا إذن يدعو إلى ما لن ينفذ، ولا تسوغه القوانين المصرية؟


الهدف خلق حالة من الجدال المستمر بين الناس، أساسها أن البنت ماتت وأسرتها تحتاج حياة جديدة تكفلها الملايين المعروضة، وبالتالي فما جدوى إعدام شاب انجرف وراء عاطفته وشيطانه؟ منطق هذا المعسكر سيواجهه منطق الغالبية العظمى الرشيدة، وهى أن الرحمة مع من لم يرحم، مع من قتل البريئة، ترخيص بالقتل والسداد على الفاتورة لاحقا!

الشائعات وإسقاط الدول


سيعلو صوت المعسكر الأول، ويحتد صوت المعسكر الثاني، وترتفع الحناجر بالسباب وينخرط المجتمع في اشتباك، إلى أن تقع مصيبة جديدة، محورها الرجل والمرأة والفلوس، كما الحال في جريمة المستشار بمجلس الدولة المتهم بقتل زوجته السرية المذيعة شيماء جمال!


قبل أيام أذيع مقطع فيديو لأوباما وقد تحول شعره الأسود الكارت إلى أبيض تماما، لكن لسانه الأسود كان يقطر سما، كان يتحدث عن الطريقة التي استعملوها لإسقاط  الدول، وهي بث الشائعات، وتأليب الناس علي بعضهم البعض، وعلى خلق ضحية يدور الجدل حولها، وكلنا نتذكر كيف جعلوا من شمام يدعي خالد سعيد ضريحا يلفون حوله ويثيرون المشاعر ويتهمون حكومة أحمد نظيف بقتله!
 

للأسف لم يعد المجتمع المصري يفكر بالعقل، بل صار ينساق وراء العقل الأكبر المسيطر من وراء أزرار الكيبورد، وصارت الحوادث اليومية، كبرت أو صغرت طعاما للمصريين، بل صارت أخبار التفاهة للممثلين والممثلات، تحظى بالأولوية، فهذه النجمة تثاءبت أو خرجت لتوها من الحمام، أو ارتدت ثوبا جديدا، وهذا النجم طلق فلانة أو غنى لها أغنية شتيمة، والناس تقرأ وتنفعل وتتكلم وتتسع دوائر التفاهة والنقار.


حتى مرتب النجم ابننا محمد صلاح لم يسلم من الجدال حوله، لدرجة القر على الولد. الأغلبية تراه جديرا بالمرتب الكبير، لكن محال أن يهدأ شياطين الفرقة والكراهية وبث الضغائن، إذ راحوا يمطرون الناس بأن ساعة يركض فيها محمد بالملاعب تساوى ٤٨ ألف جنيه، والأسبوع ٨ ملايين والشهر ٣٢مليون، والسنة.. اضرب في ١٢وعد..  ناس تدافع عن محمد صلاح وعن كرمه وحبه للخير وعطفه على أهله ومساهماته الوطنية، وناس شغالة قر، وشغالة تحريض، وبث المقارنات.
ما الهدف؟ ما المصلحة؟
 

 

صرف الناس عن العمل. خلق حالة احتقان تتحول إلى شرارة. توسيع دوائر الشائعات، والأخطر خلق قابلية عامة للتصديق وعدم إعمال العقل للرد علي ما لا يمكن تصديقه، تماما كما نسب هيكل في ذلك الخبر، عن ثروة مبارك وقدرها ٧٠مليار دولار، يومها أخذ كل مواطن يحسب نصيبه. منها، ويومها رفض العقل المصري تصديق أن هذا هراء! الهدف خلق حالة مماثلة، تسمى الإغلاق: رفض الفهم!

الجريدة الرسمية