التوازن بين تقليص إنتاج الأسمنت وسعره
في العام الماضي وفي شهر يوليو 2021 تقدمت 23 شركة من شركات الأسمنت العاملة في السوق المصري بطلب لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، بتقليص الإنتاج بأكثر من 10% لمدة عام واحد، وجرى تطبيق القرار؛ وذلك لأسباب عديدة أبدتها وقتها شركات الأسمنت: منها أن السوق متخم بالإنتاج وفي الوقت ذاته تسببت الحرب الأوكرانية الروسية في زيادة أسعار مدخلات إنتاج الأسمنت، والشركات غير قادرة على رفع السعر بما يتناسب مع هذه الزيادة؛ مما يعرضها للإفلاس والخسائر الكبيرة..
فعلى سبيل المثال تضخمت تكاليف الطاقة حيث قفز سعر الفحم، وهو مصدر للطاقة يغذي نمو قطاع الأسمنت، من 60-80 دولارا العام الماضي إلى 300-350 دولارا. وتستخدم 16 شركة من أصل 18 شركة أسمنت الفحم في جزء واحد على الأقل من عملية تصنيع الأسمنت. وتبلغ تكاليف الطاقة ما يقرب من 70% من النفقات التي تدخل في إنتاج الأسمنت. وبحسب بيانات سابقة لشعبة الأسمنت باتحاد الصناعات، تصل الطاقة الإنتاجية لشركات الأسمنت في مصر إلى أكثر من 80 مليون طن سنويا، في حين أن الإنتاج الفعلي يقدر بحوالي 55 مليون طن، وذلك قبل قرار تخفيض الإنتاج الذي وافق عليه جهاز حماية المنافسة.
ونتيجة لكل تلك الظروف وافق وقتها جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية على ذلك التخفيض في حين عارضت شركات مواد البناء وشعب العاملين بالبناء بشدة قرار الجهاز العام الماضي، وسط مخاوف من أن ذلك التخفيض سيؤدي حتما إلى رفع أسعار الأسمنت مما سيؤدي إلى تقليص فرص العمل ووضع قطاعهم تحت الضغط. وبالفعل كانت معارضتهم على حق، فالأسعار في زيادة مستمرة منذ قرار تقليص الإنتاج حيث ارتفعت أسعار الأسمنت بنسبة 47% على أساس سنوي حتى نهاية مايو الماضي، لتصل إلى 1250 جنيها للطن من 850 جنيها للطن قبل القرار.
زيادة الأرباح
ونتيجة لعودة ذلك القرار بالفائدة على شركات الأسمنت بدأت هذه الشركات الآن في الضغط على جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لتمديد قرار خفض إنتاج الأسمنت بنسبة 10% على الأقل. وقد طلبت الشركات من شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات المصرية بدء مناقشات مع جهاز حماية المنافسة لتمديد القرار بعد انتهائه.
وتذكر الشركات أن أهداف القرار أتت ثمارها، مما قلل بشكل فعال من الخسائر التي تكبدتها مصانع الأسمنت في سنوات ما قبل خفض الإنتاج، وفق لما ذكره الرئيس التنفيذي لشركة بني سويف للأسمنت. كما أحدث القرار فرقا جوهريا في الرؤية المستقبلية لخطط الإنتاج، والصيانة الدورية، وحركات المبيعات، وإدارة المخزون، ووفر في النهاية إطارا جيدا لتحسين معدلات التشغيل، كما تؤكد الشركات.
وقد أدى القرار إلى تحسن أداء القطاع مما انعكس على ربحية الشركات التي تحول بعضها مثل شركة العربية للأسمنت إلى الربحية في الربع الأول من عام 2022 بتحقيق صافي ربح بقيمة 58.9 مليون جنيه، مقابل صافي خسائر بلغ 6.33 مليون جنيه في الفترة المناظرة من عام 2021، بالتزامن مع قفزة في المبيعات بنسبة 145% على أساس سنوي.
وكذلك مصر للأسمنت- قنا التي شهدت قفزة في صافي أرباحها بنسبة 161.4%، على أساس سنوي خلال الربع الأول. وكان القرار أيضا، بمثابة طوق نجاة للشركات المتوقفة مثل مجموعة شركات سعد الدين التي أعادت تشغيل مصنع الإسبانية المصرية للأسمنت فى المنطقة الحرة بمحافظة بورسعيد، بعد توقف دام ثلاث سنوات. وسمح قرار خفض إنتاج شركات الأسمنت الذي دخل حيز التنفيذ العام الماضي باستئناف العمليات التشغيلية للمصنع.
تمديد القرار
ولكن لماذا تطالب الشركات بتمديد القرار إذا كان قد أدى نتائجه بالفعل وتحقق الازدهار للقطاع ؟ يجيب مسئولو الشركات عن ذلك بأن الدافع وراء المطالبة بتمديد قرار تقليص الإنتاج بوضوح أن الإنتاج ما يزال يتخطى حجم الطلب، فمن المتوقع وصول حجم الطلب على الأسمنت في مصر إلى 50 مليون طن بحول نهاية هذا العام، مقارنة بـ 48.5 مليون طن فقط في عام 2021، بحسب أحد المسئولين الذي أضاف أن الإنتاج تجاوز الطلب بالفعل خلال فترة تطبيق القرار. وقد بلغت الطاقة الإنتاجية لمصانع الأسمنت المحلية نحو 83 مليون طن، متوقعا نمو الطلب على الأسمنت بنسبة 2-3% بحلول عام 2023.
ومن المرجح أن تحصل الشركات على قرار التمديد لأن وزارة التجارة والصناعة تدعم التمديد، لأن المعروض الفعلي ما يزال يفوق الطلب الحقيقي في السوق، وفق ما قاله العديد من المسئولين التنفيذيين في القطاع. كما أنه لم تخرج كافة شركات الأسمنت من الأزمة بعد، فرغم أن بعض شركات الأسمنت شهدت نموا في أرباحها منذ قرار تقليص الإنتاج، إلا أن بعض الشركات لا تزال تتكبد خسائر حتى الآن، فقد قلصت أسمنت سيناء خسائرها بنسبة 54.6% على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 67.19 مليون جنيه، مقارنة بخسائر بلغت 148 مليون جنيه في نفس الفترة من العام الماضي.
الحاجة إلى تمويل خطط الاستثمار والتزامات خفض الانبعاثات الكربونية والاشتراطات البيئية من بين الدوافع أيضا وراء المطالبة بخفض الإنتاج. ويؤكد مسئولو الشركات أن القرار بالتمديد يصب في مصلحة المستهلكين، فخروج بعض الشركات من السوق، لن يدعم الأسعار على المدى الطويل، لأنه سيؤدي إلى تركز الإنتاج في أيدي عدد محدود من اللاعبين.
والتمديد سيساهم في بالحفاظ على دورة حياة الشركات على مستوى التوظيف والاحتفاظ بالعمالة، فضلا عن مساهمة قطاع الأسمنت في الاقتصاد الرسمي للدولة مما يعود بالنفع على كل الأصعدة. ويرى رئيس شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات أن المبادرة كانت في صالح كل الأطراف (الدولة، والمُصنِع والمستهلك) مشيرًا إلى أنه: "لو لم تتدخل الدولة كانت الشركات عرضة للإغلاق وبالتالي يحدث نقص المعروض وزيادة الأسعار.. والمبادرة أنقذ صناعة الأسمنت في مصر".