تبرعوا لإنقاذ قاتل!
معروف وحدث من قبل أن يلجا أهل متهم بالقتل لدفع دية مالية لأهل القتيل لحماية المتهم من الإعدام.. ومعروف أيضا وحدث من قبل أن يقبل أهل الضحية الدية، وكان آخر مثال على ذلك ما حدث في قضية ابن رجل الأعمال الذى قتل شبانا بسيارته في منطقة السادس من اكتوبر.. لكن الجديد والذى يحدث لأول مرة في البلاد أن يدعو البعض لتنظيم حملة تبرعات لجمع نحو خمسة ملايين جنيه يدفعها الشاب الذى قتل فتاة جامعة المنصورة لإنقاذ رقبته من حبل المشنقة بعد أن أحالت المحكمة أوراق القضية للمفتي لاستطلاع رأيه في أمر حكم إعدامه!
هذه سابقة خطيرة يشهدها مجتمعنا لأول مرة تشير إلى وجود خلل في نظام القيم المجتمعية، حيث يوجد بيننا من يحاول تعطيل حكم القانون الذي يتعين أن نخضع له جميعا نحن المواطنين، مهما اختلفت ثرواتنا ونفوذنا الاجتماعى والاقتصادى والسياسى!
لقد شاهدنا من قبل كيف يسعى الأغنياء لإنقاذ أبنائهم من حكم القانون مستغلين ثرواتهم وقدراتهم المالية على إغراء أهالى ضحايا الأبناء على القبول بالدية.. وهذا أمر مفهوم وإن كان غير مقبول في الدولة المدنية الحديثة.. لكن أن يتطور الأمر إلى تنظيم حملة تبرعات لجمع أموال يقدمها قاتل دية لأهل فتاة تم قتلها علنا وعلى قارعة الطريق وأمام عابريه وزملائها في الجامعة فهو أمر شديد السخافة والاستفزاز لمشاعر عموم الناس الذين هتف عدد منهم أمام محكمة المنصورة فرحين بعد إعلان المحكمة قرارها بتحويل أوراق القضية للمفتى..
إنه أمر يستحق ليس فقط الاستهجان، وإنما مساءلة من دعا إليه ومن ينظم حملة التبرع لجمع دية قتيلة جامعة المنصورة، لأن القانون الذى يعلمه أى محام صغير مبتدأ لا يسمح لأحد بجمع تبرعات إلا بعد الحصول على موافقة رسمية حكومية.. وكفى إهدارا للقانون! وكفى عبثا في مقومات الدولة المدنية الحديثة التى صار تحقيقها واجبا دستوريا علينا، وجاءت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لتؤكده!