رئيس التحرير
عصام كامل

الإخوان بين "تحرير القاهرة" و"تقسيم تركيا"... احتجاجات "تقسيم" أول إعلان لبلوغ "الأسلمة" حدا مرفوضا... "مرسي" و"أردوغان" واجها المعارضة بالتركيز على الشرعية الانتخابية


بدأ إطلاق المقارنات بين مصر وتركيا منذ وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، إذ كانت النصائح توجه للمصريين للاقتداء بنظرائهم في أنقرة، لكن النصيحة لا تنفع إن لم تعتمد على أسس واقعية، وتكون ضارة، كنصيحة الاستمرار في المظاهرات التي وجهها أردوغان لإخوان مصر.


إخوان مصر.. فشل في الحكم ومحاولة انتحار تركت فترة تولّي محمد مرسي مقاليد الحكم انطباعا عميقا لدى قطاعات مصرية واسعة بعدم صلاحيّة الإخوان المسلمين للحكم وعجزهم عن تمثيل الشخصية المصرية الجامعة.
فبعد نجاح الثورة خاضت جماعة الإخوان الانتخابات الرئاسية خلافا لإعلانها السابق، وبعد نجاح مرسي رفضت تشكيل حكومة ائتلافية، ثم وضعت "الإعلان الدستوري" الذي منح مرسي صلاحيات ديكتاتورية.
وتراجع "مكتب الإرشاد" تحت الضغط الشعبي عن "الإعلان"، ثم جرى تعيين محافظين بلا أهلية لا سيما ذاك الذي كان عضو تنظيم مسلّح قتل سوّاحا في "الأُقصر" وعيّن محافظا لـ "الأُقصر" نفسها. علاوة على السياسة الطائفية ضد الأقباط.
كل ذلك كان تعبيرا عن العجز في السلطة، وسار "الإخوان" إلى فشل ذريع في الحكم تحول إلى كارثة تاريخية لكل تيارهم، وجهاز الدولة الذي واجه تقليديا في العصر الحديث معضلة النمو السكاني المرتبط بالفقر المرتبط بدوره بالتخلف بدا عاجزا عن إحراز أي تقدم.
كتب جهاد الزين في "النهار" أنه بدا غريبا في بلد يواجه هذا الحجم من المهام "المستحيلة" أن يرفض الإخوان السياسة الائتلافية مع قوى أخرى، مثلما فعل "إخوان" تونس في "حركة النهضة" باختيار رئيس جمهورية وبرلمان مع تيارين سياسيّين مختلفين عنهم. علما أن تونس بلد أصغر بكثير ومشاكله أقل بما لا يقارن من مصر.
و لم يهدأ إصرار النخب العلمانية المحتشدة مع أنصارها ممن يعتبرون أنفسهم مسلمين إضافة إلى غير المسلمين منذ سقوط الرئيس حسني مبارك على مواجهة ما سمّي بالـ "الخطر الإخواني" على مصر.
وكان ردّ فعل "الإخوان" عنيفا تخلله تهديدات وتحريض واضح على الشغب الأمني، وهناك شعور بأن استمرارهم في مواجهة المزاج السلمي للمجتمع المصري هو بمثابة الانتحار.
إخوان تركيا، عانوا من عدم فهم للقوى الجديدة، بعد أن فرّقت الشرطة اعتصامات "تقسيم" بالقوة، مع أن وسائل قمع الحشود، ورغم سقوط 4 قتلى بحصيلة المواجهات في كل تركيا وهذا رقم "كبير" أوربيا، لم تخرج عن معايير "القمع المدني"، لكنّ الاحتجاجات الشبابية في "تقسيم" وامتداداتها لم تكن بسبب المشاكل الكبيرة المزمنة كما في مصر، ولا بسبب "أخونة الدولة"، فتركيا من الاقتصادات الصاعدة في العالم.
ولرجب طيب أردوغان إنجازات مهمة عبر حزبه العدالة والتنمية، لكن الزعيم التركي لم يستطع فهم الجيل الجديد الذي ساهم هو في خلقه فخرج إلى الشارع في أحداث "ساحة تقسيم" برأي أن تالتظاهرات هي نتيجة الحداثة التركية والتقدم في البلاد الذي وصل إلى الحد الأقصى الذي يمكن قبوله من "الإسلاميين".
وكما كانت المؤسسة العسكرية غير قادرة على فهم ضرورة توسيع التمثيل السياسي ليشمل القطاع المتديّن من المجتمع، والذي كانت الدولة العلمانية تقصيه، فإن احتجاجات "تقسيم" هي أول إعلان عن بلوغ "الأسلمة" حدا مرفوضا في إقصاء مكوّنات واسعة من المجتمع التركي.
"مرسي" و"أردوغان" الحاكمان المصري والتركي رغم اختلاف الظروف واجها المعارضة بالتركيز على شرعية الأكثرية الانتخابية.
قاد اردوغان دولة صاعدة بتجربة في الحداثة انتقلت من وصاية الجيش التقليدية على السياسة إلى سلطة مدنية بطابع إسلامي وإنجازات اقتصادية.
أما مرسي ترأس مصر باسم جماعة قضت كل تاريخها في المعارضة وحين وصلت إلى السلطة اكتشفت عدم وجود مؤهلات النجاح في الحكم.
جاءت احتجاجات الشباب ضد أردوغان على المستوى الذي بلغته الحداثة التركية، أي "أعلى" من إصلاحات حزب العدالة والتنمية، بمضمون يتذمّر من النمط الرأسمالي "المتوحش" للنجاحات التركية، وموقف معاد للـ"أسلمة"، ورفض لمغامرات خارجية غير مألوفة، فكان الوضع الصاعد التركي يقابله وضع قريب من الحضيض في مصر، يظهر محدودية قدرة الإخوان على إدارة البلد والدولة.
أما معارضو الإخوان في مصر بتحالفهم الواسع يدافعون عن ثقافة وطنية المصرية تبدو جماعة الإخوان غريبة عنها.


الجريدة الرسمية