شركاء قاتل المنصورة!
إن أردتم فهم مشكلة مزمنة مستعصية علي الاستيعاب فعليكم تقصي جذورها.. ومن ألغى المؤسسة العامة للسينما في أوائل السبعينيات ليفسح المجال لبعض أصحاب الثروات المشبوهة ويتصدوا لمهمة الإنتاج الفني ليتمكنوا وفق ثقافتهم -وبعضهم وفق التكليفات والأوامر- من تشكيل وجدان المصريين.. فكانت أغاني الغرز وسهرات الأنس وأفلام المقاولات التي تطورت من مجتمع تضربه التفاهة إلى مجتمع يضربه الفساد في كل أركانه ثم مجتمع البطل الذي ينتقم على طريقته من المجتمع ومن فيه!
أدى ذلك إلي ظهور المؤلف الملاكي.. للمنتج أو للنجوم.. وظهر الثراء السريع على هؤلاء فتحولت الأغلبية إلى الفن بالتفصيل وعلى المقاس.. طالما المنتج الجاهز للانتهاء من فيلم كامل في أسبوع علي الأكثر!
تدهور الفن فوجد المصريون ضالتهم في السينما الأجنبية التي انتقلت من ستيف اوستين والرجل الأخضر إلي الشرق عند اميتاب باتشان، ولأن البطل في النهاية إفراز لمجتمع ومجتمعنا أصلا أصيب في مقتل من تحالف الوهابية والإنفتاح وأجنحة من نخبة تغربت جدا حتى باتت تعبيرا عن الغرب بأسوأ ما فيه.. وبتراكم كل ذلك وتفاعله ظهرت سينما السنج والمطاوي والخيانة وزنا المحارم والمخدرات والمؤسف أن عولجت كل الظواهر السابقة باعتبارها من نسيج المجتمع وليست خروجا عليه.. وأصبح التواجد الاجتماعي لا علاقة له بالتفوق ولا بالموهبة ولا بالكفاءة ولا بالسمعة الحسنة.. إنما بالدراع المعبر المباشر عن قانون القوة!
تشويه الرموز
قاتل المنصورة ابن لعشرين عاما تقريبا من الجيل الذي تربى في دولة بلا برامج أطفال بينما غيرنا لديه قنوات كاملة لهم.. هذا الجيل وقد نشأ ممزق لا قدوة ولا مثل أعلى وقد ترك المجال كاملا لمن يقلبون كافة المعايير رأسا علىي عقب.. يشاهد الشاب من هؤلاء قنوات بلده فيجد من يقولون له إن من باع أسهم قناة السويس وجاء في النهاية بالاحتلال الانجليزي هو عظيم وشخصية أسطورية.. بينما من تصدى للاحتلال وقتها ومن أخرجه فيما بعد ثم استرد القناة ليسوا إلا "ديماجوجيين غوغائيين عنتريين حمقى ودوا البلد في داهية"!
أكثر من جيل لم يجد أمامهم إلا مشاهد الارتباك الكبير فتشوشت عقولهم وباتت الحلول الفردية هي الملاذ.. السفر للخارج مثلا.. الاستقالة من وزارة الصحة والتعاقد بعيدا عن الوطن كله مثلا.. تمثيل دول أخرى.. وأخيرا الفوز من الحياة بأي شيء.. الحلم الخاص هو الحل.. ثروة.. حبيبة. مهنة.. وتكون الجريمة نهاية من يقترب من هذا الحلم.. وبين القتل والانتحار والانحراف.. تتبدل المشاهد في مجتمعنا!
أين كانت الرقابة علي المصنفات الفنية؟ وقد انتقل أمامها كل ما سبق من السينما التي نذهب إليها بأنفسنا وبكل حذر إن كانت العائلات موجودة.. إلى التلفزيون! إلي البيوت! وبلا أي خجل. وبلا أي دماء تجري في عروق تحمل أي إحساس بالشرف والكرامة تركت الرقابة ما يسيء لسمعة بلادنا.. نسائنا وشبابنا وبيوتنا.. وما يهدم مجتمعات كاملة!
اليوم ندفع الثمن كاملا. "تالت ومتلت" كما يقولون.. عنف في كل مكان.. انتماء في حدود مخيفة.. تفكك مرعب.. قضايا لم نر في كوابيسنا إنها ستكون محل جدال من الشذوذ إلي زنا المحارم!
الكلام السابق قلناه مرارا.. وتبقي في الحاجة إلي تخطيط تسبقه قرارات تسبقها رؤية تسبقها إرادة!
خلاف ذلك قولوا علي الدنيا السلام!
رحم الله ضحية الحادث المجنون.. وألهم أسرتها كل الصبر!