زي النهاردة.. تنصيب محمد علي واليا على مصر وبداية عصر الدولة الحديثة
في مثل هذا اليوم من عام 1805 نُصب محمد علي باشا واليًا على مصر رسميًا بعد ثورة الشعب والعلماء على الوالي العثماني خورشيد باشا، وبداية عصر الدولة المصرية الحديثة التي كادت أن تنهي الخلافة العثمانية وتأسس غيرها في مصر وتناطح كبرى البلدان الغربية في الحداثة والتقدم.
الميلاد والنشأة
ولد في مدينة قولة التابعة لمحافظة مقدونيا شمال اليونان عام 1769، لأسرة ألبانية، كان أبوه «إبراهيم آغا» رئيس الحرس المنوط بخفارة الطريق ببلده، وقيل أن أباه كان تاجر تبغ.
كان لوالده سبعة عشر ولدًا لم يعش منهم سواه، ومات والده وهو صغير السن، ثم لم تلبث أمه أن ماتت فصار يتيم الأبوين وهو في الرابعة عشرة من عمره فكفله عمه «طوسون»، الذي مات أيضًا، فكفله حاكم قولة وصديق والده «الشوربجي إسماعيل» الذي أدرجه في سلك الجندية.
أبدى محمد على شجاعة وحسن نظر، فقربه الحاكم وزوجه من امرأة غنية وجميلة تدعى «أمينة هانم»، كانت بمثابة طالع السعد عليه، وأنجبت له إبراهيم وطوسون وإسماعيل ومن الإناث أنجبت له ابنتين.
رحلته إلى مصر
قررت الدولة العثمانية إرسال جيش إلى مصر لانتزاعها من أيدي الفرنسيين، وكان محمد على نائب رئيس الكتيبة الألبانية التي كان قوامها ثلاثمائة جندي، وكان رئيس الكتيبة هو ابن حاكم قولة الذي لم تكد تصل كتيبته ميناء أبو قير في مصر في ربيع عام 1801، حتى قرر أن يعود إلى بلده فأصبح محمد على قائد الكتيبة، ووفقًا لكثير ممن عاصروه، لم يكن محمد على يجيد سوى اللغة الألبانية، وإن كان قادرًا على التحدث بالتركية.
فشلت الحملة الفرنسية على مصر، وانسحبت عام 1801 تحت ضغط الهجوم الإنجليزي على الثغور المصرية الذي تواكب مع الزحف العثماني على بلاد الشام، إضافة إلى اضطراب الأوضاع في أوروبا في ذلك الوقت.
شجع ذلك المماليك على العودة إلى ساحة الأحداث في مصر، وأفضى ذلك إلى فترة من الفوضى نتيجة الصراع بين العثمانيين والمؤامرات والاغتيالات في صفوف الطرفين، التي راح ضحيتها أكثر من والٍ من الولاة العثمانيين.
خلال هذه الفترة من الفوضى، أظهر محمد علي التودد إلى كبار رجالات المصريين وعلمائهم ومجالستهم والصلاة ورائهم، وأظهر العطف والرعاية لمتاعب الشعب المصري وآلامه، مما أكسبه ود المصريين.
في مارس 1804، تم تعيين والٍ عثماني جديد يدعى "أحمد خورشيد باشا"، الذي استشعر خطورة محمد علي وفرقته الألبانية الذي استطاع أن يستفيد من الأحداث الجارية والصراع العثماني المملوكي، فتمكن من إجلاء المماليك إلى خارج القاهرة.
طلب من محمد علي بالتوجه إلى الصعيد لقتال المماليك، وأرسل إلى الآستانة طالبًا بأن تمده بجيش من «الدلاة» وما أن وصل هذا الجيش حتى عاث في القاهرة فسادًا مستوليا على الأموال والأمتعة ومعتديا على الأعراض، مما أثار غضب الشعب، وطالب زعماؤه الوالي خورشيد باشا بكبح جماح تلك القوات، إلا أنه فشل في ذلك، مما أشعل ثورة الشعب التي أدت إلى عزل الوالي.
اختار زعماء الشعب بقيادة عمر مكرم -نقيب الأشراف- محمد علي ليجلس محله، وفي 9 يوليو 1805، وأمام حكم الأمر الواقع، أصدر السلطان العثماني سليم الثالث فرمانًا سلطانيًا بعزل خورشيد باشا من ولاية مصر، وتولية محمد علي على مصر.
دولة عصرية
بعد التخلص من شرور المماليك، اتجه محمد علي إلى بناء دولة عصرية على النسق الأوروبي في مصر، واستعان في مشروعاته الاقتصادية والعلمية بخبراء أوروبيين ومنهم بصفة خاصة الفرنسيون الذين أمضوا بضع سنوات في ثلاثينات القرن في مصر التاسع عشر وكانوا يدعون إلى إقامة مجتمع نموذجي على أساس الصناعة المعتمدة على العلم الحديث.
كانت أهم دعائم دولته العصرية سياسته التعليمية والتثقيفية الحديثة، حيث كان يؤمن بأنه لن يستطيع أن ينشئ قوة عسكرية على الطراز الأوروبي المتقدم ويزودها بكل التقنيات العصرية وأن يقيم إدارة فعالة واقتصاد مزدهر يدعمها ويحميها إلا بإيجاد تعليم عصري يحل محل التعليم التقليدي.
حكم محمد علي مصر حكمًا يميل لاستشارة بعض المقربين قبل إبرام الأمور، واختلف عن الحكم الاستبدادي للمماليك في أنه كان يخضع لنظام إداري بدلًا من الفوضى التي سادت عصر المماليك، وأسس مجلسًا حكوميًا عرف باسم «الديوان العالي» مقره القلعة يترأسه نائب الوالي ويخضع لسلطة هذا الديوان دواوين تختص بشؤون الحربية والبحرية والتجارة والشؤون الخارجية والمدارس والأبنية والأشغال.
كما أسس مجلسًا للمشورة يضم كبار رجال الدولة وعدد من الأعيان والعلماء، ينعقد كل عام ويختص بمناقشة مسائل الإدارة والتعليم والأشغال العمومية، وفي عام 1837، وضع محمد علي قانونًا أساسيًا عرف بقانون «السياستنامة»، يحدد فيه سلطات كل ديوان من الدواوين الحكومية.
نهاية محمد علي
اشتدت الشيخوخة على محمد على، وبحلول عام 1848 أصبح استمرار توليه عرش الدولة أمرًا مستحيلًا، فعزله أبناؤه وتولّى إبراهيم باشا إدارة الدولة.
حكم إبراهيم باشا مصر طيلة 6 أشهر فقط، قبل أن يتمكن منه المرض وتوافيه المنيّة في 10 نوفمبر 1848، وعاش محمد علي بضعة شهور بعد وفاة ولده، وتوفي في قصر رأس التين بالإسكندرية في 2 أغسطس سنة 1849م، ونُقل جثمانه إلى القاهرة زدُفن في الجامع الذي كان قد بناه قبل زمن في قلعة المدينة.